كانت له هيبة، وكان مرهوب الجانب؛ تخشى مواجهته الجيوش العربية، وكان للجيش الإسرائيلي سطوة ونفوذ في المنطقة، حتى إذا وقفت دباباته على مسافة 5 كليو مترات من بوابات غزة، فقد بوصلة الشجاعة، وتاه في أفق غزة غير المحدود، وانهارت هيبته داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
ذلك ما أشارت إليه جملة من التقارير الإسرائيلية، والتي من شأنها أن تنعكس سلباً على العلاقات بين الجيش والمجتمع الإسرائيلي، وستكون لها تبعيات تتعلق بثقة المجتمع بالجيش، الذي تخلى عن جنوده في أثناء عدوانه على غزة سنة 2014، وتركهم حتى يومنا هذا، لا يعرف الجيش الإسرائيلي إن كانوا أحياء أم أمواتًا، وحتى اليوم تجهل كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مكانهم وأحوالهم، وهي التي تتجسس على مئة دولة، وتبيع المعلومات الأمنية لكل دول العالم.
ما سبق من تراجع على مكانة الجيش الإسرائيلي جاء ضمن تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الذي أفاد بأن الانتقادات للجيش الإسرائيلي قد وصلت إلى حد توجيه اتهامات شديدة للجيش، تعبر عن عدم ثقة المجتمع بضباطه، وقد واجهت القيادة العليا للجيش صعوبة في توفير رد مقنع على العاصفة الإعلامية في شبكات التواصل الاجتماعي، التي انتقدت الجيش، ولا سيما بعد مقتل القناص الإسرائيلي من فتحة في الجدار على حدود غزة.
سبق ذلك تقارير نُشرت في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، حين طلب الجيش ميزانيات إضافية بمليارات الشواقل من أجل منح امتيازات مالية لضباطه، إذ تبلغ رزمة التقاعد للمسرحين من الجيش ضعف مثيلتها في المؤسسات المدنية، وهذا يدلل على انعدام الإحساس بأوضاع فئات اجتماعية تضررت من أزمة كورونا، وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه "معهد أبحاث الأمن القومي" أن 59% من الجمهور يفضل استثمار الموارد في جوانب اجتماعية على حساب ميزانية الأمن، وهذا تطور جديد في وعي المجتمع الإسرائيلي، وفي نظرته للجيش الذي كان مقدساً حتى زمن قريب، وكان مدللاً إلى أبعد حدود.
وقد تكون الضربة القاصمة لهيبة الجيش الإسرائيلي لدى الجمهور ما ورد في تقرير مجلس الأمن القومي، حين تحدث عن الفجوة العميقة بين تسويق نتائج العدوان الأخير على غزة والادعاء بالنصر، وبين النتائج المحدودة جدًّا على الأرض، وفي المجال التشغيلي والاستراتيجي، وقد انعكست هذه الفجوة في الاستطلاعات المختلفة التي جرت في أعقاب العدوان على غزة مايو 2021، إذ عد 25% فقط؛ أن (إسرائيل) قد انتصرت، وهذه النسبة متدنية، وتعكس عدم ثقة بتقارير الجيش عن الانتصار على أهل غزة.
إن تراجع ثقة الجمهور بالجيش تعني فقدان الهيبة، وفضح الأكذوبة، وقد تبين ذلك من رفض الجمهور لدعم الزيادة في ميزانية الجيش، وتراجع الرغبة لدى الشباب الإسرائيلي في الانضمام إلى صفوف الجيش، بل وتهرب المجندين الجدد من الخدمة في سلاح المشاة، بل ويخلقون الأعذار الجسدية والنفسية كي لا يخدمون في ساحات المواجهة المباشرة، ويجدون الدعم لهربهم هذا من المحيط الاجتماعي، وهذا تطور جديد، يضاف إلى التشكيك بمصداقية ضباط الجيش الإسرائيلي لدى الجنود، وخاصة في أوساط القيادة الدنيا وجنود الاحتياط، وقد أظهر المرشحون للتجنيد عدم الرضا، وعدم الثقة، وعدم الاطمئنان على مستقبلهم، إنه الإحباط الذي تجرع مرارته أولئك الجنود والضباط المشاركون في الوحدات الميدانية التي احتكت مباشرة مع الفلسطينيين، فانعكست تجربتهم سلباً على بقية جنود الأعداء.