شكلت العملية الفدائية في الساعات الأخيرة شمال الضفة الغربية التي أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة آخرين دليلا جديدا على أننا أمام جبهة مشتعلة، وإن كانت على نار هادئة، رغم أنها تمثل استنزافا لجيش الاحتلال وأجهزته الأمنية في ضوء الالتصاق القائم بين تحركات الجنود والمستوطنين مع الفلسطينيين.
تمثل عملية نابلس- جنين استمرارا في نهج المقاومة الفلسطينية لاستهداف خاصرة الاحتلال من حيث لا يحتسب، وضربا في عصب وجوده العسكري والاستيطاني، في ضوء حالة التمدد التي يقوم بها في مشاريعه الاستيطانية على حساب الأراضي الفلسطينية، وأمام حالة العجز التي تصيب المنظومة السياسية الفلسطينية، والاكتفاء بالتنديد والشجب والاستنكار، فقد شرع المقاومون منذ أسابيع معدودة في الأخذ بزمام المبادرة للرد على هذا العدوان المتواصل، في سرقة الأرض وإحراق الحقول.
الاحتلال من جهته لا يقف مكتوف الأيدي إزاء تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية من خلال مواصلة حملات الاعتقالات الجماعية، والاستدعاءات الأمنية، فضلا عن الاستعانة بأجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي ترى نفسها في خندق واحد ضد خلايا المقاومة، ويا للمفارقة، ورغم كل ذلك، لكن المقاومين الفلسطينيين، ورغم حالة الضغط الأمني الشديدة، لكنهم ينجحون في كل مرة بالخروج من تحت الرماد، وتصويب بنادقهم نحو جنود الاحتلال وقطعان مستوطنيه.
في المقابل، تعتقد المقاومة أنها في سباق مع الزمن لكبح جماح الاستيطان المتواصل في الضفة الغربية المحتلة، من خلال الاستمرار في استهدافه، ومواصلة عملياتها الموجعة بشتى الطرق والأساليب، سواء بعمليات الطعن أو الدعس أو الرشق بالحجارة، وصولا إلى إطلاق النار، التي توقع في المستوطنين قتلى وجرحى.
إن التصدي للمشاريع الاستيطانية المتواصلة على قدم وساق في الضفة الغربية بمختلف الوسائل، لعله يعتبر الطريق الأوحد، على الأقل في هذه المرحلة، في ضوء ما تحظى به هذه المشاريع من رعاية ودعم حكوميين، وغض طرف أمريكي، فضلا عن العجز الذي تبديه السلطة الفلسطينية والدول العربية، صحيح أن المهمة تبدو مكلفة على المقاومة التي تظهر مثل "كف يناطح المخرز"، لكن هذا قدرها المحتوم، ولا سبيل أمامها لأداء رسالتها على أكمل وجه سوى ذلك.
تأتي عملية نابلس-جنين التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف المستوطنين في وقت تزداد فيه الإجراءات الميدانية الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء، من خلال نشر الدوريات الأمنية والقوات العسكرية، وتعزيز التنسيق الأمني، وملاحقة نشطاء شبكات التواصل الذين تتهمهم أجهزة أمن الاحتلال وشركائها بالتحريض على المقاومة، وتحية منفذي العمليات، والشد من أزر عائلاتهم.
رغم كل ذلك، تتواصل عمليات المقاومة، ويستمر النزيف الإسرائيلي، رغم الفوارق الفلكية في موازين القوى مع الاحتلال، لكن إرادة المقاومة تبدي تفوقا لافتا، لا تخطئه عين الاحتلال، وهو ما يؤرقه ويقلقه فعلا!.