"ما بعد معركة سيف القدس، ليس كما قبلها" هي حقيقة ثابتة لا يستطيع أحد إنكارها، بالإنجازات العسكرية والسياسية التي باتت تصنعها المقاومة في صراعها مع الاحتلال بعد هذه المعركة تلقي بظلالها على المشهد المستقبلي للقضية برمتها، إذ باتت ينظر لحركة حماس والمقاومة في قطاع غزة أنها "درع القدس" الحقيقي، والأمل الأخير في تحرير فلسطين، خاصة بعدما استطاعت ردع العدو ودفعه للتراجع في أهدافه واستراتيجياته، وباتت درعا لثوابت "المقدسات والإنسان".
ومع انطلاق المناورات العسكرية لكتائب القسام الجناح العسكرية لحركة حماس بعنوان "درع القدس" تترسخ القناعات بمحورية الحركة في القضايا الوطنية وخاصة القضية الأبرز فلسطينا "مدينة القدس"، بعدما كانت العنوان لمعركة مايو/ أيار الماضية.
اليوم تأتي هذه المناورات بعد معركة "سيف القدس" لتجسد حقيقة الشعارات التي أطلقتها الحركة على مدار عقودها الثلاثة، لتؤكد التزامها بمناصرة المدينة المقدسة بعدما خذل أهلها الجميع، وانقض عليها العدو بانتهاكات الهادفة لتهويدها.
السؤال الأهم ماذا يعني أن تسمى المقاومة معركتها الأخيرة "سيف القدس" وأن تسمى كتائب القسام مناوراتها اليوم "درع القدس"؟ الإجابة على هذا السؤال ليست صعبة، وهي تشير بشكل واضح إلى هدف استراتيجي تسير عليه حركة حماس لترسيخ القضايا الوطنية على مختلف المستويات السياسية والشعبية والعسكرية تمهيدًا لمعركة التحرير والخلاص من الاحتلال.
الهدف الإستراتيجي لحركة حماس يرسم خطوطًا حمراء أمام الاحتلال، الذي بات يدرك جيدًا أنه سيدفع ثمنًا باهظًا عند تجاوزها، مستحضرًا أمامه ما جرى في معركة سيف القدس، وقد وصلته الرسالة واضحة أن المقاومة لديها ثوابت لن تتنازل عنها تتمثل في المقدسات والإنسان مهما كلف الثمن.
في هذه المناورات كما في سابقاتها يبرز الدور الإنساني للمقاومة الفلسطينية التي تسعى لتحرير أكثر من 4800 أسير من سجون الاحتلال، وتجتهد وتخطط وتتدرب لتحريرهم عبر صفقات تبادل بعد فشل كل السبل الأخرى طيلة السنوات الماضية.
المناورة الجديدة في هذا التوقيت من المؤكد أنها تحمل صوراً لتكتيكات وتدريبات تحاكي عمليات عسكرية يتجسد من خلالها محاكاة أسر لجنود الاحتلال، خاصة بعد تصريحات نائب قائد أركان القسام مروان عيسى بأن ملف الأسرى هو "الملف الأهم الآن لدى كتائب القسام"، وهو ما يعني أن خيار زيادة رصيد المقاومة من الجنود لازال حاضراً، بل ويتعزز يوماً بعد يوم، وهنا لن يكون الأمر مفاجئاً إذ طبقت المقاومة ما تدربت عليه مستقبلاً في ظل تعنت العدو في قضية صفقة تبادل الأسرى الجديدة.
المناورات العسكرية "درع القدس" تحمل عدداً من الرسائل في هذا التوقيت لتؤكد على استعداد المقاومة لأية مواجهة عسكرية مقبلة وتحديداً "كتائب القسام"، بل الأهم أنها تشير لتطور في قدراتها وأهدافها وتكتيكاتها العسكرية، وأن "سيف القدس" معركة مفصلية تمهيدية لمعارك أكبر مع الاحتلال نصل في نهايتها إلى التحرير.
وتأتي المناورات أيضاً لإرسال رسائل مطمئنة لأبناء شعبنا الفلسطيني وخاصة في مدينة القدس المحتلة بأن "القسام" درع لهم ومظلة لحمايتهم من مخططات العدو، وأيضا رسائل للأطراف الخارجية أن لديها قدرة مذهلة على تطوير نفسها وأدواتها العسكرية لتدخل مرحلة جديدة ومختلفة من الصراع مع العدو، تستطيع مستقبلاً من خلالها تغيير الواقع الميداني والجغرافي والعسكري.
بشكل واضح مناورات "درع القدس" تأتي للتأكيد على استعدادات المقاومة، وأن الخيار العسكري لازال حاضراً على الطاولة، إذا ما حاول البعض مقايضة القضايا الإنسانية والوطنية بالوضع الاقتصادي والإعمار وقضية الجنود الأسرى.
"بعد معركة سيف القدس ليس كما قبلها" فمحاولات عقاب الفلسطينيين والضغط عليهم لم تعد ذات جدوى بعد اعتماد المقاومة على عقول مهندسيها وجنودها الأفذاذ في تطوير نفسها بشكل سريع وبات هؤلاء الأبطال يختصرون سنوات الاعداد في أشهر قليلة برغم الحرب الكبير، وباتوا يخترعون الأدوات التي تهدم مشاريع الاحتلال المعقدة والمتطورة.