فلسطين أون لاين

التفسيرات الحقيقية للجيل الفلسطيني الجديد

 

لا يكاد يخلو شهر من عمليات فدائية ينفذها فلسطينيون ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في الضفة المحتلة والقدس، إلا أن الأسابيع الأخيرة حملت زيادة في وتيرة هذه العمليات الفدائية، الأمر الذي بات يقلق المستويات الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال لا سيما مع وجود جيل فلسطيني جديد لا يؤمن بالحلول السياسية مع الاحتلال، ويرى جرائمه تزداد يومًا بعد يوم وأن لا حل إلا بالمواجهة.

الأجهزة الأمنية للاحتلال حاولت مؤخرًا تقديم تفسيرات لتنامي هذه العمليات، وبهذه السرعة، بين قائل إن "المنفذين الفلسطينيين محبطون من واقعهم الاقتصادي، وآخر يرى أنهم يواجهون اضطهادا من السلطة الفلسطينية، ورأي ثالث يعتبر أن الشباب الفلسطيني يحصل على جرعات من التحريض عبر الفيسبوك الذي تبثه حماس وكوادرها".

وبرغم هذه التفسيرات من الاحتلال إلا أن هناك عوامل تشير بشكل واضح إلى حدوث تغييرات جوهرية لدى الجيل الفلسطيني الجديد في الضفة المحتلة والقدس وخاصة ذلك الجيل الذي لم يعايش الانتفاضة الفلسطينية الثانية وذروتها، وقد عاش طفولته وبداية فتوته على مرأى من الانتهاكات اليومية التي يمارسها جيش الاحتلال، في المقابل وجد أن التسليم بالحالة الحالية التي يحاول الاحتلال فرضها لا تصنع له مستقبلًا ولا تعطيه كرامة حقيقية.

وفي العقد الثالث بعد توقيع اتفاقية أوسلو ووجود السلطة، وفشلها في تحقيق أي من أهدافها بات ينظر لها هذا الجيل الفلسطيني بازدراء شديد، وبات يرى أن أهميتها باتت شبه معدومة بعدما كبلها الاحتلال في القضايا الامنية والاقتصادية، وهمشها في القضايا السياسية، وانتزع من العاملين فيها روح الثورة ومقاومة الاحتلال، ناهيك بحالة الفساد التي ضربت السلطة وجعلت منها نموذجا سيئا في تاريخ القضية الفلسطينية.

هذا الجيل الجديد بدأ يبحث عن ذاته الوطنية، في ضوء ضعف البرنامج السياسي الذي قدمته سلطة أوسلو للقضية الفلسطينية، مقابل نموذج المقاومة في قطاع غزة التي استطاعت دحر الاحتلال أولاً، ومن ثم صنعت معادلات ردع معه، وطورت قدراتها العسكرية رغم الحروب العسكرية والاقتصادية التي مورست حولها، والأهم هنا أن الجيل الفلسطيني الجديد يرى أن ما صنعته المقاومة في قطاع غزة يحقق تغذية حقيقية للروح الوطنية التي يمكن أن تنمو لتحقق شيئًا حقيقيًا للقضية الفلسطينية.

البحث عن الذات الوطنية لدى الجيل الفلسطيني الجديد باتت أهم المحفزات التي تدفع الكثير من الشبان والفتيان للتقدم خطوات كبيرة في مواجهة الاحتلال، وقد يكون الجيل الجديد في الضفة والقدس أقل التزامًا من الناحية الدينية بفعل الحملات التي شنتها دولة الاحتلال والسلطة ضد من ينتمون للفصائل الاسلامية، إلا أن الثابت حاليًا أن الجيل الجديد بات متقدمًا في الجانب الوطني ويعرف أهدافه الوطنية جيدًا في مواجهة الاحتلال، وحجم تأثير هذه العمليات على العدو ومنظوماته الأمنية والعسكرية.

ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين في الضفة والقدس والمخططات العلنية التي تقضم الأراضي والمنازل والاقتصاد نمّت لدى الفلسطينيين روح الندية في مواجهة هذا الاحتلال ودفعت الكثير من أبناء الجيل الجديد لعدم الخوف منه بل والتفكير في كيفية مواجهته بالعمليات الفدائية الفردية، والانتماء للخلايا العسكرية للمقاومة.

جميع تفسيرات الاحتلال حول العمليات الفردية الأخيرة تركز على الجانب الاقتصادي والضغط الذي يعيشه الفلسطينيون بسبب البطالة وانعدام الأفق السياسي، وتغفل متعمدةً الجانب الوطني كجزء من محاولة التقليل من التغيرات الحقيقية التي شهدها الجيل الجديد من الفلسطينيين، والأهم أنها محاولة من الاحتلال لإعفاء نفسه من المسؤولية عن الواقع السيئ الذي يعانيه الفلسطينيون في الضفة.

ولعل أبرز العوامل التي يتغافل عنها الاحتلال أن الموجة الجديدة في الضفة المحتلة ربما تكون أحد نتائج معركة سيف القدس التي تكاتف فيها الفلسطينيون في مختلف الجبهات لمواجهة هذا الاحتلال وأن الجيل الفلسطيني الجديد في الضفة والقدس بات يرى أن له ظهيرًا قويًا يتمثل بمقاومة قطاع غزة، وأن مشروع المقاومة جدوى دائمة، بل إن الأهم أن هذا الجيل وجد أملا بعد المعركة الأخيرة بأن فكرة التحرير والتخلص من الاحتلال فكرة قابلة للتنفيذ وربما في وقت أسرع من المتوقع.

الجيل الفلسطيني الجديد برغم الظروف الصعبة التي نشأ فيها إلا أنه يبشر بخير حقيقي للقضية الفلسطينية، فالإيمان الذي بات يتملك قلب هذا الجيل والتحدي والندية للاحتلال التي تملأ فكره وعقله تعني أن جذوة المواجهة ستتواصل، وأن الأمل بالتحرير يتجدد وينمو لدى الفلسطينيين برغم كل البرامج الأمنية والعسكرية والسياسية الهادفة لصنع فلسطيني مدجن وخانع.