ركز الإعلام الإسرائيلية في الفترة الأخيرة على فزاعة انهيار السلطة الفلسطينية، وإمكانية سيطرة رجال المقاومة الفلسطينية على الضفة الغربية، مع انطلاق عمليات مقاومة مرعبة للاحتلال، بما فذلك العمليات الفردية، والتحرك الجماهيري الواسع.
وحتى اللحظة فإن الذي يقود حملة المزاعم بانهيار السلطة الفلسطينية هم رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي "الأمن العام" رونين بار، ووزير الحرب الصهيوني بني غانتس، ووزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، وجميعهم يعبر عن مخاوفه من انهيار السلطة، وضرورة دعمها ماديًّا، لأن مصلحة إسرائيل تقتضي ذلك، ولأن الخدمة التي تقدمها الأجهزة الأمنية الفلسطينية باهظة التكاليف بالنسبة للجيش الإسرائيلي، مع ضرورة مقايضة خدمة الأمن بالمال.
ما سبق من تحذير أمني لا يقدمه الأعداء الإسرائيليون للشعب الفلسطيني، الذي بات يخشى من أجهزة السلطة الأمنية أكثر من جهاز الشاباك الإسرائيلي نفسه، وقد اشتبك معهم في أكثر من موقع في قلقيلية، وفي مخيم جنين، وفي الخليل، وفي نابلس، والتحذير الأمني الإسرائيلي ليس موجهًا للحكومة الإسرائيلية التي تطلع على كل صغيرة وكبيرة بشأن الضفة الغربية، وتعرف موازين القوى على الأرض، وبيدها القرار، لذللك فالتحذير الأمني الإسرائيلي بانهيار السلطة موجهة لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي تخشى على موقعها القيادي، وتخشي من المنافسة الحزبية، وتخشى من تطور التمرد الفلسطيني على الجيش الإسرائيلي ليصير تمرداً على أجهزة أمن السلطة بشكل عام، وعلى قيادة المنظمة بشكل خاص.
وللحقيقة، فقد نجحت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بربط مصير ومستقبل وجود قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقيادة السلطة، وقادة الأجهزة الأمنية، بدوام التنسيق والتعاون الأمني، وعليه فإن التخويف من الغضب الفلسطيني يهدف إلى إثارة الرعب في قلوب كل أولئك المرتبطين أمنياً مع المخابرات الإسرائيلية، وتخويفهم من الغد المجهول الذي ينتظرهم، وذلك إذا تباطؤوا في اقتحام مخيم جنين، وإذا ترددوا في قمع مسيرات بلدة بيتا، وإذا تجنبوا غضب الخليل، وإذا تلكأوا في انتزاع الاعترافات الأمنية من نشطاء التنظيمات المقاومة.
التحذيرات الإسرائيلية من انهيار السلطة سيتبعها خمسة أنشطة ميدانية، تتمثل في التالي:
الأول: قيام السلطة بحملة اعتقالات ومداهمات قد تصل إلى حد التصفيات الجسدية لأعداء الاحتلال، وهذه الحملة قد بدأت طلائعها في شمال الضفة الغربية، وهي التمثيل الأصدق لحالة الرعب التي أصابت قيادة منظمة التحرير من تطور الغضب الفلسطيني المناهض للاحتلال.
الثاني: نقل ملف المساعدات المقدمة للأسرى والشهداء من المؤسسات التابعة للسلطة، إلى دوائر الصندوق القومي، لتفادي الخصومات الإسرائيلية، والعقوبات الأمريكية.
الثالث: تشديد الخصومات على رواتب الموظفين، وتجديدها طوال الأشهر الأمنية القادمة، في رسالة إلى مئات آلاف الموظفين وضباط الأجهزة الأمنية بأن صرف الراتب مقترن بالتبعية للسلطة، ومساندتها في مواجهة من يحاول إفساد الحالة الأمنية في الضفة الغربية.
الرابع: الحرب المفتوحة ضد نشاط التنظيمات الفلسطينية المعادية للاحتلال، بحجة عملها على تقويض السلطة، وتدمير المشروع الوطني، بما في ذلك اشتراط تحقق المصالحة الفلسطينية بالاعتراف بما اعترفت به منظمة التحرير، بما في ذلك التنسيق والتعاون الأمني.
الخامس: على ضوء ما سبق، ستستجيب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لمطالب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتزويد الأجهزة الأمنية بما تحتاج إليه من أسلحة ومعدات قمع المظاهرات.
إن كل ما سبق ليحتم على مؤسسات الشعب الفلسطيني وتنظيماته أن يبادروا بالتصدي لقيادة منظمة التحرير، وقيادة السلطة، وقادة الأجهزة الأمنية بالمستوى نفسه الذي يتصدون فيه للجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية، فطالما وقف المحتلون والمتعاونون مع المحتلين في خندق واحد، فالوطنية تقضي بأن يتوحد الشعب بكل أطيافه ومؤسساته وتنظيماته في الخندق المقابل.