دولتان إسلاميتان انتصرتا للعدالة الإنسانية هما ماليزيا والكويت، الأولى عندما قررت الحكومة الماليزية منع دخول فريق صهيوني أراضيها للمشاركة في بطولة الإسكواش، وعلى الفور قرر الاتحاد العالمي للعبة الدولية (WSF) سحب امتياز إقامتها على الأراضي الماليزية، وقد قوبل القرار القاسي برضى وعدم اكتراث وطني للخسارة تلك، رغم أنها مكلفة سياسيا وماليا، فعندما تنظم بطولة دولية على أرض دولة ما فإن العائد المادي سيكون جيدا عبر حركة الوافدين من الفرق ومشجعيهم، رغم ذلك آثرت ماليزيا على نفسها خصاصة أن تقدم مبادئ العدالة وحقوق الإنسان على النفع الخاص العائد لخزينة ماليتها وانتصرت لفلسطين.
على الصعيد ذاته أصدرت وزيرة الأشغال العامة الكويتية رنا الفارس، قراراً بـ"حظر مرور السفن التجارية المحمّلة ببضائع من (إسرائيل) وإليها عبر المياه الإقليمية الكويتية"، وبدورها عبرت حركة حماس عن ترحيبها بهذا القرار، وجاء في بيان رئيس الدائرة الإعلامية للحركة في الخارج، هشام قاسم، أن القرار "يمثّل تطبيقاً للسياسة الكويتية القديمة الجديدة، التي تهدف دائماً إلى الانتصار لفلسطين وقضيتها العادلة".
ومن الدول إلى الشخصيات الثقافية العربية حيث نجحت حركة المقاطعة الدولية من ثني عدد من الكتاب والأدباء والشعراء العرب من المشاركة في فعاليات معهد العالم العربي لاستضافته شخصيات داعمة للكيان الصهيوني.
تعود جذور حركة المقاطعة الفلسطينية إلى بدايات تأسيس تجمعات استيطانية صهيونية في فلسطين، حيث ذكر عدد من الباحثين والمؤرخين مقاطعة الأهالي والفلاحين لمنتجات الموشاف، وهو تجمع زراعي يهودي، ثم زادت حركة المقاطعة مع ارتكاب العصابات الصهيونية لمجازر بحق السكان الفلسطينيين وإقامة الكيان عام 1948م، واستمرت المقاطعة حتى عقد اتفاق كامب ديفيد الأول بين مصر والاحتلال (الإسرائيلي) عام 1978م، وبعدها بدأت نشاطات التطبيع السياسي تتسلل إلى العمق العربي، غير أنه يسجل أن الشعوب استمرت في مقاطعتها لمنتجات الاحتلال الصهيوني حتى يومنا هذا ولم تنسَق مثل ما وقعت فيه أنظمتها الحاكمة.
انتقلت عام 2005م من مدينة رام الله حركة المقاطعة إلى عمل منظم عابر لفلسطين تحت اسم (حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات) واختصارها (bds)، ونشطت في أوروبا والمنطقة العربية وجميع أرجاء العالم، وانضم إليها الآلاف من المتضامنين مع فلسطين ونجحت في تحقيق نتائج متقدمة في حصار (إسرائيل) ومؤسساتها الثقافية والاقتصادية، حيث نجحت في دفع عدد كبير من الطلاب والأكاديميين في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد وسويسرا وهولندا ودول كثيرة من مقاطعة أكاديميين (إسرائيليين)، ووصل تأثير المقاطعة إلى مجالات أخرى اقتصادية واجتماعية ورياضية حتى أصبحت اليوم أيقونة فلسطينية عالمية تحاصر حركة التطبيع النشطة مع الاحتلال الصهيوني.
لقد اعترف الكيان الصهيوني بنجاح حركة المقاطعة (bds) في إلحاق خسائر مالية فادحة وأضرار علمية وسياسية على صعيد اهتزاز الصورة النمطية (لإسرائيل) في العالم بأنها ضحية ومظلومة وتتعرض للعنف، لقد كشفت المقاطعة زيف الرواية الصهيونية وبددت سيطرتها الكاملة في الفضاء العام الأوروبي والدولي، الأمر الذي أزعج الكيان ودفعه لاتخاذ إجراءات لملاحقتها ومحاربتها، دفع ألمانيا لاتخاذ قرارا بحظر نشاطاتها ووسمها بالإرهاب ومعادات السامية.
في مقابل هذا اللون النضالي المتميز للرواية الفلسطينية، تقابله صور سيئة للأنظمة العربية التي انتقلت لمربع التطبيع العلني السياسي والاقتصادي والثقافي مع الاحتلال الصهيوني في محاولة لدمج الكيان في المنطقة العربية وشعوبها.
خلاصة: أثبتت المقاطعة أنها قوة ناعمة تستطيع أن ترد الكذب وتلجم العدوان بدفع النشطاء إلى المقاطعة وتأييد الرواية الفلسطينية، إنها تمثل الحقيقة في مواجهة الكذب، والحق في مواجهة الباطل، والعدالة في مواجهة الظلم، والمقاطعة ستنتصر كوسيلة دفاع عن فلسطين في مواجهة التطبيع.