لفت انتباهي قرار ميداني لقوات الاحتلال ينص على منع اقتحام جيش الاحتلال المناطق المصنفة (أ وب وج) بدءًا من صباح الجمعة وحتى صباح الأحد، وأن كل الأنشطة العملياتية بما فيها الاعتقالات بالضفة الغربية ستتم في نهاية هذا الأسبوع كما هو مخطط لها، مع استثناء ينص على أنه أي حالة اعتقال ضرورية يجب أن تجري بعد موافقة قائد لواء الضفة في جيش الاحتلال، كل هذا لتهيئة الأجواء الفلسطينية لخوض انتخابات المجالس المحلية.
الناظر من بعيد إلى هذا القرار يعتقد للوهلة الأولى أن الاحتلال حريص على إنجاح الانتخابات المحلية، ولكن بعد معرفة حيثياته يجد أنه جاء بطلب من السلطة الفلسطينية من أجل كسب جزء من بياض الوجه أمام الجمهور الفلسطيني الذي عرفها على حقيقتها وعرف أن هذه الانتخابات ما هي إلا ملهاة وخداع للرأي العام، وتجاوز خطِر لما تم التوافق عليه، وتجاهلا لكل التفاهمات السابقة بين الأطراف الفلسطينية، وخاصة ما اتُّفق عليه في مؤتمر الأمناء العامّين وحوارات إسطنبول.
فبعد إلغاء عباس الانتخابات التي هُزم فيها قبل أن تُجرى، يحاول أن يخرج أمام القمة العربية المقبلة في الجزائر بشيء من الشرعية، فجاء بـ"شقفة" انتخابات مفصّلة على مقاسه ليضلل العالم بوجود أجواء ديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، وهي في الحقيقة إقرار منه بأنه وفريقه فاقدون للشرعية ويبحثون عن "رائحة" شرعية، حتى وإن كانت من خلال انتخابات لا معنى لها.
هذه الانتخابات المحلية التي أُعلنت في الضفة الغربية الواقعة تحت حراب الاحتلال الذي يسعى جاهدًا قبل السلطة لإنجاحها هي عبارة عن استفتاء سيجري في تجمعات صغيرة يغلب على تكوينها الطابع العائلي والعشائري، ولن يكون لنتائجها دلالات سياسية كبيرة على المشهد الفلسطيني، اللهم إلا أن يقال بأن الفلسطينيين يعيشون في رفاهية ديمقراطية وفقط.
هذا الأمر ترى فيه قيادة الاحتلال أنه يجمّل صورة السلطة ويقويها، خاصة أنها انتخابات على المقاس، وستُجرى في مناطق تضمن فيها حركة فتح الفوز بها بأغلبية، نظرًا إلى عدم وجود منافسين، وذلك تطبيقًا لرؤية وزير حرب الاحتلال بيني غانتس القائمة على تقوية السلطة الفلسطينية في مواجهة معسكر المقاومة، ففي آخر اجتماع مع وزير التعاون الإقليمي في حكومة الاحتلال عيساوي فريج، كشف له أنه ينوي لقاء عباس قريبا، في لقاء هو الثاني في أقل من 4 أشهر بسبب الوضع الصعب للسلطة التي أوشكت على الانهيار.
ولو نظرنا إلى تشكيلة هذه الانتخابات وأرقام المرشحين لوجدنا العجب، فغالبية القوائم دخلت مستقلة بعدد 488 قائمة مقابل 277 فقط حزبية، وهذا دليل بشكل أو بآخر على أن الشعب الفلسطيني قد يؤمن بالمستقلين أكثر من الأحزاب، والطريف أن حركة فتح لم ترشح قائمة لها في أريحا، وعن السبب يقول أمين سر إقليم الحركة في أريحا والأغوار نائل أبو العسل: "إن مشاركة حركة فتح في الانتخابات المحلية؛ خيار خاطئ؛ فنحن حركة تحرر ومقاومة للاحتلال، ولسنا حركة خدمات للماء وحل مشكلة عامود كهرباء، ولذلك لن تترشح أي قائمة لفتح بأريحا، خاصة أننا في الفترات السابقة لم ننجح"، هذا الكلام من قائد فتحاوي جاء خوفا من الخسارة، وكذلك يعد اعترافًا صريحًا بفشل حركة فتح في كل مسارتها، بدءًا بمقارعة الاحتلال ومرورًا بالديمقراطية، وليس انتهاءً بخدماتها للشعب الفلسطيني.
ووفق المعطيات فإن الانتخابات ستجرى فقط في 165 هيئة محلية من أصل 329، وذلك لأن 162 هيئة -أي قرابة النصف- ستكون بالتزكية، نظرًا إلى ترشُّح قائمة واحدة فيها، وهذا دليل آخر على أن قيادة السلطة وفتح قد فصّلوا هذه الانتخابات على مقاسهم، من أجل ترقيع جزء من شرعيتهم المهترئة التي بانت سوءتها، ويحاولون أن يتستروا بورقة اعتراف الأنظمة العربية والمجتمع الدولي بهم، خاصة مع زيارة عباس للجزائر مستضيف القمة العربية المقبلة.
ومن خلال قراءة استطلاعات الرأي الأخيرة، نجد أن الشعب الفلسطيني قد كفر بنهج حركة فتح برمته، القائم على التنسيق الأمني والانبطاح تحت بساطير الاحتلال، والذي أودى بها نحو الهاوية الوطنية، على الرغم من كل محاولات إنعاشه، ومن المتوقع أن تسقط في الانتخابات سقوطًا مدويًا على الرغم من أنها تنافس مستقلين، بدليل ما حصل في انتخابات نقابة العاملين في بلدية الخليل وقبلها خسارتها في انتخابات نقابة المهندسين.
والجدير ذكره أن فصائل الشعب الفلسطيني الوازنة قاطعت هذه الانتخابات لأسباب لعل أهمها إلغاء رئيس السلطة الانتخابات العامة، وهربه من هذا الاستحقاق الوطني، وأرى أن مقاطعتها خطوة لا تكفي لردع السلطة عن غيها، وأن عليها اتخاذ خطوات أكثر صرامة لتغيير الأمر الواقع في الضفة المحتلة.