الحصار نقيض الإنسانية، يتجسد ذلك جليا في سلسلة الإجراءات المتعاقبة التي تلاحق أبسط حقوق الغزيين، لا سيما في مجالات الكهرباء، والصحة، والمياه، والحق في السفر لا سيما العلاج، فيما يوصف في القانون الدولي بأنه جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية.
لا يجد الاحتلال الإسرائيلي رادعا أو حرجا في مواصلة ضرب الحصار على قطاع غزة منذ 11 سنة تخللها ثلاث حروب عدوانية، بينما هدد رئيس السلطة محمود عباس أيضًا بإجراءات وصفها بأنها "غير مسبوقة" تجاه القطاع، دخل بعضها حيز التنفيذ.
ولعل أحدث إجراءات تشديد الحصار، إعلان سلطة الطاقة في غزة الاسبوع الماضي، تخفيض سلطات الاحتلال الإسرائيلي 48 ميجاواط من قدرة الكهرباء على الخطوط الإسرائيلية المغذية لغزة في خطوة أولية لتنفيذ القرارات المعلنة لتقليص الكهرباء تدريجياً وهي القرارات التي تمت بطلب من حكومة رامي الحمد الله؛ بحسب "الطاقة".
وينذر ذلك بآثار خطيرة على واقع الكهرباء في القطاع الذي يعاني أصلا من نقص حاد وعجز كبير في إمدادات الطاقة، إذ يتم قطع الكهرباء على المواطنين لنحو 12 ساعة متواصلة مقابل أربع ساعات وصل فقط.
وتقول سلطة الطاقة في غزة، إن حكومة رامي الحمد الله تصر على فرض كامل الضرائب على وقود محطة الكهرباء الوحيدة في غزة بما يرفع سعره لقرابة ثلاثة أضعاف السعر الفعلي، مما يعيق شراء الوقود لتشغيل المحطة.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، أكدت بلدية غزة أن سلطة المياه التابعة للسلطة في رام الله طالبت البلدية بثمن المياه المزودة لمدينة غزة من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" والتي تشكل قرابة 20% من احتياجات المواطنين في المدينة.
وخصمت السلطة للشهر الثالث على التوالي، من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة الغربية، ما يتراوح بين 30% و70%.
وتمتنع حكومة الحمد الله منذ تشكيلها في 2014 عن صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة إسماعيل هنية، في القطاع.
وتفاجأ عشرات الأسرى المحررين في الرابع من الشهر الجاري، بقطع السلطة رواتبهم عن شهر مايو الماضي.
كما قالت الهيئة الوطنية لكسر الحصار وإعادة الإعمار، في مؤتمر صحفي مؤخرا، إنه قد تم إغلاق حسابات جمعيات خيرية وحرمان الآلاف من الأيتام من حقوقهم وكفالاتهم الشهرية.
وأكد مدير مكتب منظمة التعاون الإسلامي في قطاع غزة محمد حسنة الشهر الماضي، إغلاق مكتب المنظمة في غزة وتحويل صلاحياته لمكتب المنظمة في رام الله، بعد ما يقارب من تسع سنوات من عمله في القطاع. وقال في بيان صحفي إن إغلاق المكتب "جاء استجابةً لضغط سياسي من قبل السلطة الفلسطينية".
وفي 10 مايو/أيار الماضي قال مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة، منير البرش لصحيفة "فلسطين" إن المستودعات المركزية في رام الله "أبلغتنا بأن هناك قرارا" بوقف توريد جميع الأدوية والمستهلكات الطبية للقطاع.
كما قال البرش خلال مؤتمر صحفي، في الشهر نفسه، إن الأصناف الصفرية لدى وزارته بلغت حتى نهاية أبريل/نيسان الماضي 170 صنفاً من الأدوية بنسبة عجز بلغت 35%، في حين بلغت عدد الأصناف الصفرية من قائمة المهمات الطبية المتداولة 270 صنفاً بنسبة عجز بلغت 40%.
وتُقدّر نسبة النقص في أدوية السرطان بـ90%، وعدد المصابين بهذا المرضى في القطاع بنحو خمسة آلاف.
ويأتي ذلك في ظل استمرار الحصار البري والبحري والجوي على القطاع، والذي يتسبب بمعاناة مليوني فلسطيني يعيشون في خمس محافظات بأعلى معدلات كثافة سكانية في العالم، فيما تقدر نسبة اللاجئين بينهم بـ71% موزعين على ثمانية مخيمات.
وهذا العام، استشهد ستة مواطنين هم طفلان وثلاث سيدات ورجل، جراء منع الاحتلال لهم من السفر عبر معبر بيت حانون "إيريز"، حيث رفض الاحتلال –بحسب مراقبين- طلبات أكثر من خمسة آلاف مريض تحويلهم للعلاج في الخارج منذ بداية العام الجاري.
وتفاقمت معاناة الغزيين إثر شن الاحتلال ثلاث حروب عدوانية على القطاع، خلفت بمجملها ما يزيد على 4333 شهيدا ونحو 20 ألف جريح وتدمير ما يقارب 290 ألف وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي، بينما لم يتجاوز ما تمت إعادة إعماره 43% بحسب مراقبين، ولا يزال نحو 60 ألف مواطن بلا مأوى.
ويقول مراقبون، إن مستويات الفقر والبطالة في غزة في أعلى معدلاتها العالمية جراء الحصار، كما أن نحو مليون و300 ألف مواطن ما زالوا فقراء حسب تصنيف الأمم المتحدة و30% من هؤلاء يعيشون تحت خط الفقر المدقع و80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية الغذائية فيما يفتقر 72% إلى الأمن الغذائي.
اتفاقية جنيف الرابعة
ويوضح الخبير في القانون الدولي د.حسن جوني، أنه وفقا للقانون الدولي فإن قطاع غزة لا يزال يعتبر منطقة خاضعة للاحتلال، وهو ما تقره اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضًا.
ويقول جوني لصحيفة "فلسطين"، إن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على قطاع غزة، لكن سلطات الاحتلال ترفض تطبيقها.
ويُبين أن هذه الاتفاقية تلزم الاحتلال أو المحاصِر بتأمين الاحتياجات اليومية للمدنيين، ولا يجوز حرمانهم منها، مشيرا إلى أن على الاحتلال ليس فقط السماح بدخول احتياجات المدنيين بل أن يقوم بتأمينها في حال لم يستطع الغزيون فعل ذلك بأنفسهم.
ويتابع: "على العدو المحاصِر أن يؤمن كل ما يحتاجه السكان المدنيون داخل المناطق المحاصرة"، مشددا على أن القانون الدولي يمنع حصار المدنيين.
وأكد "أننا أمام جريمة حرب"، بموجب المادة 85 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1977، والمادة الثامنة من اتفاقية روما التي تحدد أن حصار واستهداف المدنيين في قوت عيشهم وحياتهم اليومية يشكل جريمة حرب.
وأردف: "يمكننا أيضًا أن نتحدث عن جريمة ضد الإنسانية عملا بالمادة السابعة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية".
وتمم بالتشديد على أن استهداف الغزيين في الكهرباء والماء والصحة وغير ذلك، هو انتهاك لكل مبادئ حقوق الإنسان وليس فقط القانون الدولي الإنساني، منوها إلى ضرورة أن يتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارات تدين حصار غزة.