انشغل كثيرون بما صرح به مصدر قيادي في حركة حماس لقناة الجزيرة حيث أكد أن المقاومة تدرس خيارات التصعيد مع الاحتلال في ظل تواصل الحصار على غزة وتباطؤ الإعمار، وأن الاعتداءات الصهيونية على الأقصى والأسرى سوف تفجر الأوضاع مجددا.
فالعدوان على الأسرى يتصاعد، سواءً بعد نجاح ستة أسرى في التحرر من سجن جلبوع عبر نفق، أو إضراب ستة أسرى بشكل متزامن عن الطعام لفترات طويلة، وقد نجح بعضهم في فرض تحرره على الاحتلال، وكل ذلك ساهم في تأجيج الأوضاع ميدانيا، وهو ما نشاهد آثاره في العمليات الفردية التي نعيشها خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، كما أن العدوان على القدس والأقصى يتصاعد بطريقة كبيرة، خاصة ضمن طقوس عيد الحانوكاه الصهيوني، والذي تم خلاله اقتحام الحرم الإبراهيمي من قبل رئيس الكيان، كما تم اقتحام المسجد الأقصى المبارك، كذلك يتواصل الاستيطان وتجريف المقابر، وهدم البيوت، وهو ما أثار غضبا شعبيا واسعاً، وجد صداه في التأييد المقدسي الكبير لعملية الشيخ فادي أبو شخيدم النوعية.
كما أن الجريمة والفلتان يتصاعدان حاليا سواء في الضفة الغربية أو الداخل المحتل، وهو ما يدفع كثير من القطاعات الفلسطينية للاقتناع بضرورة الاشتباك مع الاحتلال، لكونه السبيل الأقصر لتوحيد الكل الفلسطيني وتذكيره بأهدافه الاستراتيجية، كما يتواصل قمع السلطة في الضفة واعتقالاتها السياسية، وعجزها عن مواجهة جرائم العنف، كما رأينا في جريمة مقتل طالب جامعي في جنين، وهو ما يشعل أيضا الغضب الشعبي، ويجعل الجميع مقتنعاً بضرورة العمل المقاوم، الذي سيوجه طاقات الكل الفلسطيني نحو العدو، وهو ما ظهر عملياً في الهجوم على سيارة المستوطنين اللذين اقتحما رام الله، وقد هتفت الجماهير -في حادثة لافتة- لقائد المقاومة محمد الضيف.
كل ذلك يجعل كل الساحات الفلسطينية مهيئة لانفجار قريب، أما عند التوجه لغزة فسنجد أن الأوضاع في غاية السوء، فكل ما يجري هو نوع من المماطلة، وتبادل الأدوار، فليس منطقيا أبداً أن الاحتلال عاجز عن إدخال الأموال لغزة، وأن البنوك ترفض، وأن السلطة معترضة، فالاحتلال بإمكاناته المالية والتكنولوجية والديبلوماسية لن يعجز عن إدخال أي أموال لغزة لو أراد، لكن الديبلوماسية أن تتحدث لإخفاء ما تريد، فهو يظهر كلاماً في غاية الأناقة والجمال، لكن دون أي فعل إيجابي على الأرض.
وما دخل بعد مماطلة طويلة من أموال لغزة المنهكة اقتصاديا، يتم نزعه بطريقة أخرى، صحيح أن المنحة القطرية تدخل، لكن منحة الشؤون الاجتماعية تم إيقافها، وصحيح أن أموالاً دخلت لصالح الموظفين في غزة، لكن موظفي السلطة تم حرمانهم من ربع رواتبهم، وصحيح أن عمالاً دخلوا للعمل في الداخل، لكن بعض موظفي الأونروا لم يتلقوا رواتبهم، وإنما حصلوا على سلفة محدودة، وهكذا تجد أن كمية الأموال التي تدخل لغزة يتم التحكم فيها لإبقاء المجتمع تحت سيف الإنهاك المستمر، في لعبة لا تكاد تتوقف.
ومن الواضح أن الاحتلال الذي يكاد يعرف كثيرا من التفاصيل في الأراضي الفلسطينية يعجز عن رؤية أمور في غاية الوضوح، فهو عاجز فيما يبدو عن قراءة العقل الجمعي الفلسطيني، الذي لا يمكن أن يستسلم أبداً للواقع الحالي، فالحصار بات مستحيلاً، وستستمر المواجهة العسكرية مع الاحتلال جولة بعد جولة، حتى تنتهي معاناة المواطنين الفلسطينيين سواءً في قطاع غزة عبر الحصار، أو في الضفة عبر الاستيطان والاعتقالات، أو في القدس عبر التهويد والاقتحامات، أو في الداخل المحتل عبر تشجيع الجريمة.
المسألة مسألة وقت، إما أن تتوقف جرائم الاحتلال جذريا، وإما أن كافة الساحات الفلسطينية ستذهب إلى مواجهة قد تكون غير مسبوقة مع الاحتلال، وما المعركة السابقة إلا نموذج مصغر مما ينتظر الاحتلال، فهل يدرك العدو الدرس قبل فوات الأوان، أما سيعلن أنه فوجئ بما جرى، كما أعلن ذلك في معركة سيف القدس.