ارتفعت وتيرة الشجارات العائلية وحالة الفلتان الأمني في مختلف مدن الضفة الغربية المحتلة خلال الآونة الأخيرة، والتي أودت بحياة عددٍ من المواطنين، في ظل غياب واضح لسيادة القانون والأساليب الرادعة بحق مرتكبيها.
وانعكست هذه الظاهرة على المواطن الفلسطيني في الضفة الذي بات يفتقد الأمن والأمان في ظل تفشي فوضى السلاح وظواهر القتل، والتي كان آخر ضحاياها الطالب في الجامعة العربية الأمريكية بجنين مهران خليلية.
ومن الشواهد الأخرى على الفلتان والفوضى، أطلق مجهولون أمس، النار على مركبات مجلس قروي قرية الكوم في بلدة دورا جنوبي الخليل بالضفة قبيل انطلاق الانتخابات القروية المجتزأة المقررة في 11 ديسمبر الجاري، ما يهدد بحصد مزيد من الضحايا في المرحلة القادمة.
وقال تقرير للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بشأن فوضى السلاح في الضفة: "في الآونة الأخيرة، أخذ الحديث عن ظاهرة انتشار السلاح وسوء استخدامه يتصاعد بدرجة كبيرة في المجتمع الفلسطيني".
ويشير التقرير إلى "ملاحظة انتشار السلاح بكثافة بين المواطنين مجددًا، واستخدامهم له بالشجارات العائلية والمناسبات الاجتماعية والفصائلية، حتى بتنا نشاهد ما يمكن تسميته بسباق تسلح بين المواطنين والعائلات والعشائر بفلسطين".
أسباب متعددة
يرى الناشط السياسي د. غسان حمدان، أن ارتفاع وتيرة الشجارات والفلتان الأمني له أسباب متعددة، أبرزها حالة اليأس التي وصل إليها الشباب في المجتمع الفلسطيني، نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح حمدان في حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن السبب الآخر يكمن في غياب سيادة القانون والأساليب الرادعة لمرتكبي الجرائم، لافتًا إلى أن انسداد الأفق في الحالة السياسية للشعب الفلسطيني هي أساس مشكلات الفلسطينيين بالضفة.
وبيّن أن حالة الفساد التي تعيشها قيادة السلطة وعجزها عن إدارة المجتمع بطريقة صحيحة، تسببت بزيادة مظاهر الفلتان والفوضى والتي وصلت إلى المؤسسات التعليمية.
وانتقد أداء السلطة في إدارة المجتمع الفلسطيني وعدم حرصها على حل النزاعات وإنهاء حالة الفوضى، والتي خلقت حالة من التعصب الفئوي والحزبي، عدا عن عدم توفير فرص عمل للشباب، واصفًا ذلك بأنها "ثقافة خطيرة" بدأت تسود في المجتمع.
ودق حمدان، ناقوس الخطر أمام الحالة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، في ظل عدم تحرك رسمي للقضاء على مسببات الفلتان الأمني، "إذا لم يكن هناك رادع حقيقي لمنع الجرائم ستزداد في الأيام القادمة"، وفق قوله.
وشدد على أن استمرار هذه الحالة له انعكاسات خطيرة على المواطنين، في ظل تجاهل الجهات المعنية معاقبة مرتكبي الجرائم بالطريقة القانونية السليمة، والاعتماد على الصلح العشائري.
ولفت حمدان إلى أن أجهزة أمن السلطة تتخبط في التعامل مع حالة الفلتان، مستدلًّا على ذلك بتفاقم المشكلات وارتفاع وتيرتها.
وتوقَّع استمرار وتيرة الفلتان والشجارات في حال استمرار ضعف تطبيق القوانين الرادعة ضد المجرمين، مطالبًا الجهات المختصة بالتحرك الفوري لإنهاء الظاهرة، في وجود الاحتلال الذي يمارس مصادرة الأراضي والاستيطان وقتل الفلسطينيين.
بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد، أن الضفة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في حالة الفلتان والشجارات العائلية وعمليات القتل وغيرها من الممارسات.
وعزا شديد خلال حديثه مع "فلسطين"، ذلك إلى تراجع منظومة القيم الوطنية والأخلاقية والاجتماعية لدى شرائح من المجتمع وغياب الحلول الجذرية سواء القانونية أو القضائية أو العشائرية.
وبيَّن أن هذه الحالة انعكست سلبًا على المواطنين وأثّرت على كل مناحي الحياة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية في مختلف مدن الضفة، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية فشلت في توفير الأمن للمواطنين حتى اللحظة.
ولفت شديد إلى أن الضفة الغربية باتت منطقة مفككة، وعليه فإن أجهزة أمن السلطة تحتاج إلى تنسيق وموافقة إسرائيلية للتنقل بحرية والدخول لمناطق أخرى.
وبحسب قوله، فإنه لا يوجد هناك أي بوادر لتهدئة الأوضاع بالضفة في الوقت الراهن، مطالبًا بضرورة إيجاد الحلول الرادعة لإنهاء الانهيار الخطير الحاصل.