تواصل الماكنة الدعائية الإسرائيلية بث تحريضها على المقاومة الفلسطينية، في مسعى لا تخطئه العين، لمحاولة التضييق عليها، وإحكام الخناق على تحركاتها في الداخل والخارج، ولئن كانت داخل الحدود الفلسطينية المحتلة تستمر في ملاحقتها لكوادر المقاومة، خاصة في الضفة الغربية من حيث الاعتقالات المستمرة، والاغتيالات المتواصلة، وفي قطاع غزة ما تفتأ الأجهزة الأمنية التابعة لجيش الاحتلال تستهدف المقاومة بتشديد الحصار عليها، والإمعان في منع تحرك كوادرها خارج القطاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
آخر سلسلة التحريضات التي زعمتها وسائل إعلام الاحتلال تمثلت بما تحدثت عنه في الأيام الأخيرة عن إقامة فرع للجناح العسكري لحماس في الأراضي اللبنانية بزعم التخطيط لفتح عدة جبهات على الاحتلال في آن واحد معاً، في حال شن الاحتلال عدوانا على غزة، زاعمة أن هذا التوجه لدى حماس جاء ضمن استخلاصات قراءاتها للحروب الأخيرة التي ظهرت غزة فيها وحدها، تواجه المخرز الإسرائيلي، ولسان حالها "يا وحدنا.. يا وحدنا".
ابتداء، وبغض النظر عن مدى دقة ما كشفه الاحتلال من معلومات أمنية استخبارية، فإن توجه المقاومة لفتح مزيد من الجبهات العسكرية على الاحتلال هدف مشروع ومبرر ومنطقي، ويكتسب وجاهة سياسية ووطنية، بل وإنسانية، لأن الاحتلال ذاته يفتح على المقاومة الفلسطينية كل الجبهات "الصديقة" والمتواطئة لمحاصرتها، والتضييق عليها، ولا يتورع في سبيل ذلك من الكشف عن علاقاته الأمنية والعسكرية، وبهدف سافر فاضح هو محاربة المقاومة!
مسألة ثانية تتعلق بجوهر ما كشفه الاحتلال ذاته من معلومات تتعلق بالكادر العسكري المنخرط في الفرع الجديد لحماس في لبنان، وهم، على ذمة الإعلام الإسرائيلي، مئات من اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في الأراضي اللبنانية، وهذه معلومة تشكل مصدر إدانة للاحتلال ذاته، لأنه هو الذي طرد آباءهم وهجر أجدادهم من بيوتهم في فلسطين المحتلة، وهؤلاء الأبناء والأحفاد، وإن صدقت الرواية الإسرائيلية عن تشكيل الفرع العسكري الفلسطيني في لبنان، فسيكون من الطبيعي حينها أن يقاتل هؤلاء الاحتلال الذي طردهم، ويفكرون، وبل ويعملون على الأرض لمحاربته، وتحقيق حلم العودة.
عنصر التحريض الإسرائيلي الواضح في هذا الخبر هو عادته القديمة الجديدة المتعلقة بمحاولة دق أسافين بين المقاومة الفلسطينية والدولة اللبنانية وقواها السياسية، بزعم أن الفلسطينيين يعبثون في الأمن اللبناني، ويعرضون هذه الدولة العربية للخراب والدمار، في حال انطلقت صواريخ المقاومة منها باتجاه فلسطين المحتلة.
ربما لا يغيب عن المقاومة الفلسطينية الدسائس التي تحاول الدعاية الإسرائيلية المغرضة بثها بين حين وآخر، ما يجعلها أكثر حذرًا في إدارتها لمعركتها مع الاحتلال من خارج الحدود، على أن تكون صاحبة حق في الضغط عليه من جهة، وعدم ترك غزة وحدها من جهة أخرى، والتنسيق الكامل مع الحلفاء والأصدقاء من جهة ثالثة.