حالة من الترحيب الإسرائيلية غير المسبوقة بما قامت به أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، بإعادة مستوطنَيْن إسرائيليَّيْن سالمَيْن غانمَيْن من حيث أتيا، وتسليمهما إلى جيش الاحتلال، عقب دخولهما إلى قلب مدينة رام الله، وتخليصهما من أيدي المتظاهرين الفلسطينيين الذين انقضوا عليهما.
لسنا أمام الحادثة الأولى من نوعها، فهناك سوابق بالعشرات تحصل مثلها، لأن الطرق الواصلة بين المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية مع المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين، تشهد يوميا دخول المستوطنين إليها، والزعم الإسرائيلي الدائم أنهم دخلوا بطريق الخطأ، على الرغم من أنهم مزودون بخرائط توضيحية لطرق الفلسطينيين والمستوطنين، ويمتلكون أجهزة تحديد مواقع جغرافية، ومع ذلك يتكرر هذا "الخطأ" المزعوم، وكأننا أمام تعمد إسرائيلي لاقتحام الأراضي الفلسطينية، وفي وضح النهار، وهم مقتنعون أنهم سيعادون من حيث أتوا، دون أن يصابوا بأي أذى.
لكن لعلها الحالة الأولى التي تحصل في وضح النهار، وفي قلب رام الله، قرب دوار المنارة، أي على بعد عشرات الأمتار من مقر رئيس السلطة الفلسطينية، وهي مسألة تطرح كثيرا من الأسئلة عن حجم الاستهتار الذي يبديه المستوطنون من حيث اقتحام المناطق الفلسطينية من جهة، وقد دخلوا مئات الأمتار، ورأوا الفلسطينيين، ومحلاتهم، وشوارعهم، وأدركوا أنهم في قلب مدينة فلسطينية، ومن جهة أخرى حالة الغضب التي ظهرت على الفلسطينيين، وهم يرون أن مستوطنين مجرمين قتلة يقتحمون عليهم مدنهم، في عز الظهيرة، ودون مرافقة عسكرية، ولولا تدخل الأمن الفلسطيني لربما كنا أمام واقع أمني جديد.
لا تتحدث هذه السطور عن سيناريوهات يمكن أن يصفها البعض بأنها "عدمية متهورة انفعالية" قد يقدم عليها المتظاهرون الفلسطينيون تجاه هذين المستوطنين، لكن في الوقت ذاته ربما تعجز السطور ذاتها عن إعطاء وصف دقيق هادئ واقعي لما أقدمت عليه أجهزة الأمن الفلسطينية بإعادتهما بكل سلاسة وأريحية إلى قوات الاحتلال، حتى دون اتخاذ أي إجراء أمني، ولو كان شكليا، من أجل حفظ ما تبقى من ماء الوجوه!
لقد تزامن هذا الحادث المخجل المتمثل باقتحام المستوطنين لمدينة رام الله، وإعادتهما من قبل الأمن الفلسطيني، مع جرائم يرتكبها المستوطنون ذاتهم ضد الفلسطينيين في مختلف مناطق الضفة الغربية، ولا سيما خلال موسم قطف الزيتون، وما يتخللها من قتل للفلسطينيين، وإحراق منازلهم، وسرقة مزارعهم، وفي الوقت ذاته يحظون بحماية قوات الاحتلال، ورعايتها، وأحيانا دعمها..
من حقنا أن نتساءل: هل هي مصادفة عفوية أن يحظى هؤلاء المستوطنون القتلة بحماية الأمنين الفلسطيني والإسرائيلي في آن واحد معاً، في حين يجد الفلسطيني ظهره مكشوفا أمام اعتداءات قوات الاحتلال، وأجهزة الأمن التي ينبغي أن تكون درعا حاميا له، تصبح فجأة أيديها مكبلة!