"موت يا حمار" مقولة تستخدم عندما يطلق أحدهم وعدًا لا يستطيع تنفيذه، القصة بدأت عندما أراد أحد الحكام معاقبة حمار دمر أحد بساتينه بالقتل، فتقدم رجل داهية مستغلًّا سذاجة الحاكم، وعرض عليه تعليم الحمار القواعد الملكية حتى لا يتلف البستان مرة أخرى، وإن فشل في ذلك وافق أن يقتل بدلًا من الحمار، ولكنه اشترط منحه عشر سنوات لإنجاز المهمة، وقصرًا قريبًا من الحاكم، ومزايا كثيرة لتسهيل مهمته المستحيلة، وعلل إقدامه على تلك المغامرة بأنه خلال السنوات العشر سيموت أحدهم: الملك أو الحمار أو هو شخصيًّا، وحينها لن يعاقب.
في هذه القصة تظهر سذاجة الحاكم بأنها أصل الداء، ولكن في الأزمنة اللاحقة صارت الشعوب ساذجة والحكام دهاة، فهم يضعون أهدافًا سياسية أو عسكرية لا يمكنهم تطبيقها من أجل إسكات الشعوب، ويقضون وقتهم بنهب خيرات البلاد، واستعباد المواطنين الذين بدورهم يعتقدون بشدة أن الحمار يمكنه أن يتعلم القواعد الملكية، وأن حاكمهم يمكن أن يجعلهم في مصافي الدول المتقدمة.
في وقتنا الحاضر الحكام والملوك دهاة ومنهم أبالسة إلا من رحم الله، وقليل هم، ولكن الشعوب لم تعد ساذجة، خاصة في المنطقة العربية، وعندما يجتمع الحاكم الداهية الذي يمارس الاستغباء ولا يراعي مصالح شعبه مع شعب واعٍ لا تمر الأمور مرور الكرام، بل يحدث الاصطدام والثورة، وما لا يخطر على بال أحد، فالاستقرار يحتاج إلى أحد أمرين: تناغم بين الحاكم والرعية وتوافق على تحقيق المصالح العامة فيستقر الشعب في نعيم حتى يغفل ويضل، أو وجود شعب ساذج وضعيف فيستقر في جحيم حتى يفيق ويثور.
صاحبنا في القصة محق، لأنه راهن على موت أحد ثلاثة أنفس، ولم يراهن على موت شعب، فالحمار يموت والمخادع يموت والساذج يموت، ولكن الشعوب لا تموت، وهذه هي المعضلة الحقيقية أمام الطغاة والمطبعين وبائعي الأوطان والمقدسات؛ الموت الطبيعي أو القتل ينتظرانهم ومن يخلفهم من الفاسدين، ولكن شعوبهم لا تموت، كابوسهم لا ينتهي، وإن تنعموا وتمتعوا بخيرات الشعوب، وإن حاولوا التلاعب بمصائر الأمة؛ فإن نهايتهم المخزية حتمية ولا مفر منها.