فلسطين أون لاين

​رمضان ينكأ جراح المقدسيين المهدمة بيوتهم

...
القدس المحتلة / غزة - هدى الدلو

لعلها المرة الأولى التي لم تكن هي وعائلتها ينتظرون رصد هلال رمضان على أحر من الجمر ككل عام، فبات ثبوته فتحًا لجروح لم تُشف بعد، فقد فقدوا "شقا عمرهم" بورقة إخطار من الاحتلال الإسرائيلي، فأصبحوا في مواجهة عاصفة قرارات الهدم في القدس، وسياسة الاقتلاع، ليستقبلوا رمضان بعيدًا عن البيت الذي احتوى ذكرياتهم.

غصة بالقلب

المقدسية أم فراس محفوظ (50 عامًا) تسكن في قرية العيساوية (غزة الصغرى)، في منتصف شهر يناير عام 2017م تسلمت قرارًا بالهدم بحجة عدم وجود ترخيص، ومع بدء جرافات الاحتلال أعمالها بتنفيذ القرار أصيبت بحالة إغماء.

قالت: "لقد هدم كل شيء جميل يحتوي حياة الاستقرار، والهدوء، والراحة والسكينة، ولمة العائلة، فهي مشاعر مختلطة لا يمكن وصفها ما بين ألم وحزن، وأنت ترى بعينك ماضيك وحاضرك ومستقبلك يهدم في لحظات معدودة".

أعيد تنفيذ القرار في منتصف شهر فبراير، وكان تنفيذه بأيديهم حتى لا يتحملوا تكاليف الهدم، فتبددت أحلام عائلتها بالعيش في بيت كريم في لمحة بصر، وصفت محفوظ قرارات الاحتلال بأنها ظالمة وتأبى إلا أن تنغص على المقدسيين حياتهم بشتى أشكالها.

وبصوت باكٍ أضافت: "حلم حياتي ينهدم أمام عيني، لتصبح الأحلام والذكريات تحت الركام، ففي تلك اللحظات لا ينتابني إلا مشاعر الإحباط، خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك الذي من المفترض أن نجتمع فيه أفراد عائلة واحدة حول مائدة الفطور، نردد معًا صوت الأذان، نستذكر مناسبات عائلية، ورمضان الماضي كيف كان وكيف اليوم، والأعياد".

وبينت محفوظ أنهم إلى جانب الألم النفسي الذي يراودهم ليل نهار لم ينتهوا بعد من تسديد أقساط البيت، التي تبلغ 250 ألف شيكل، فالبيت جديد ولم يمر على سكنهم فيه سوى بضعة أشهر.

فقبل مدة قصيرة في أثناء تناولهم طعام الغداء قالت: "إن شاء الله راح يبقى هالبيت عامر وما ينهدم".

مع بزوغ هلال رمضان كانت تتمنى أم فراس أن يجتمعوا على مائدته، ويغرسوا في كل زاوية من زواياه ذكرى جميلة تجمعها بأبنائها وأحفادها، ولكنها تعيش في رمضان الحالي بغصة في قلبها، فدموعها تتساقط مع دعائها قبل أذان المغرب، ولكن ما يخفف من ألمها أنها مازالت تعيش في المنطقة نفسها، وتنعم مع أهل حيها بروح التكافل والتلاحم فيما بينهم.

وتابعت حديثها: "نحن _المقدسيين_ ندفع فاتورة باهظة، فالاحتلال يريد أن يمنح مستوطنيه الحياة والرفاهية، ويشرد عائلاتنا ويقضي على مستقبل أبنائنا، ولكن هو يهدم ونحن سنعمر، إن شاء الله".

إفطار على "البرندة"

أما المقدسي أشرف عبد الله طوافة (30 عامًا) فلم تطق نفسه ترك بيته حتى بعدما أصبح ركامًا أمام ناظريه، فقد شد شراع خيمته على أنقاضه ليعيش هو وعائلته المكونة من 5 أفراد فيها. قال: "عن أي ذكريات أتحدث، فكل حجر فيه له ذكرى وموقف، ولكن الاحتلال يأبى إلا أن ينغص على المقدسيين حياتهم".

وأضاف: "رفضت ترك بيتي حتى لا أبتعد عن المسجد الأقصى، فأبقى إلى جواره، أكسر صيامي على صوت مؤذنه، أتمكن من الوصول إليه لأصلي التراويح فيه، أخشع خلف أصوات أئمته الندية".

فيستقبل هو وعائلته رمضان هذا العام وذكريات تدوي في آذانهم، خاصة وقت فطورهم على "البرندة"، ولعب بناته بالفوانيس في أرجاء البيت، "أما اليوم فنفطر بداخل الخيمة، فنفتقد الأمان والراحة النفسية والاستقرار" قال طوافة.