يمنح طي صفحة شهر نوفمبر فرصة لإلقاء نظرة فاحصة على حجم التدريبات العسكرية والمناورات القتالية التي خاضها جيش الاحتلال خلال ثلاثين يومًا فقط، وكأنه عشية الدخول في حرب عدوانية أو مواجهة هجوم خارجي، نظرًا إلى أن حجم المناورات والتدريبات ربما يفوق للوهلة الأولى الوضع الطبيعي لدى باقي الدول في العالم.
صحيح أن كيان الاحتلال ليس دولة طبيعية، لأن صفته العدوانية والاحتلالية تجعله في حالة قلق دائم، وهواجس تأتيه ولا تفارقه، من مغبة ضربات وهجمات توجهها له قوى تتربص به، وتتحين فرصة الانقضاض عليه، سواء أكانت دولًا بذاتها أم كانت حركات مقاومة لا دولانية، تخوض مع الاحتلال مواجهات أشبه ما تكون بحروب العصابات.
ولما كانت لغة الأرقام أقوى من الإنشاء؛ تستعرض السطور القادمة أبرز هذه المناورات الإسرائيلية التي افتتحت بتنفيذ قيادة المنطقة الشمالية تدريبات "الحجر المنحوت"، تحاكي سيناريوهات توغل حزب الله إلى الجليل الأعلى، ثم انطلق التمرين الشامل للجبهة الداخلية إلى محاكاة سيناريوهات حرب شاملة على عدة جبهات، وانطلقت صافرات الإنذار في شمال فلسطين المحتلة ضمن تدريب للجبهة الداخلية، وفعلت باستخدام جميع وسائل الإنذار.
لم ننتهِ بعد، فقد خاض جيش الاحتلال مناورة واسعة بمناطق مختلفة من الضفة الغربية، للتعامل مع عدة سيناريوهات، وأجرى مناورة واسعة النطاق بالجليل الأسفل، بمشاركة قوات الاحتياط، لزيادة جهوزية استدعائها، خاصة تشكيلة "غاعش"، وانطلق تمرين "حارس الوطن" العسكري لفحص جهوزية الجيش في مواجهة متعددة الميادين، ونفذ الجيش تدريبات أمنية قرب معبر جلبوع في جنين، وأجرت الجبهة الداخلية تمرين الطوارئ في أسدود.
كان هذا على صعيد التدريبات الداخلية بين وحدات الجيش والشرطة والجبهة الداخلية، أما على صعيد المناورات مع جيوش أخرى بالعالم، فلم تكن بعيدة، إذ أجرت مشاة البحرية الأمريكية تدريبات مع وحدة "شييطت 13" التابعة لرئاسة أركان جيش الاحتلال، استعدادًا لسيناريوهات معقدة.
وأنهت وزارتا الحرب الإسرائيلية والألمانية سلسلة تجارب ناجحة لمنظومة "معطف الريح"، وشارك سلاح البحرية في تدريبات "الفصول الانتقالية" في قبرص للعام التاسع، بمشاركة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، ومصر، واليونان، وقبرص، وانتهت مناورة برية إسرائيلية مع البحرية الأمريكية (مارينز)، وخاضت (إسرائيل) تدريبات مع الإمارات والبحرين والولايات المتحدة في البحر الأحمر، لمنع التموضع الإيراني في البحر، والتصدّي للمسيّرات.
يقدم هذا الاستعراض الإحصائي الرقمي واقعًا حساسًا حرجًا يمر به الاحتلال، صحيح أنه يبدد صورة الكيان المستقر، الذي ينعم بأمن واطمئنان في هذه البقعة الجغرافية الرافضة له، لكنه في الوقت ذاته يفترض أن يشعل الأضواء الحمراء أمام القوى الحية في المنطقة، دولًا وحركات، بأن هذه المناورات العسكرية، فضلًا عن كونها لتحسين قدرات الجيش، وترميم قدراته؛ قد تحمل نوايا عدوانية تجاه أي من الجبهات المتوترة.