مع تصاعد التنسيق الأمني بين السلطة ودولة الاحتلال نجد ملاحقة المقاومة باتت من أساسيات العمل لدى الأجهزة الأمنية في سلطة رام الله لتنفيذ أجندة الاحتلال وأداء دورها الوظيفي، ما يكشف لنا حجم الانحدار الوطني وتراجع شعبية السلطة وقيادتها بسبب الاعتقالات السياسية والتنسيق الأمني المدان وطنيًّا، إن المقاومة الفلسطينية مختلف أطيافها لا ترتهن لإملاءات سلطة التنسيق الأمني، بل إنها جرمته وعدته خيانة لدماء الشهداء وعذابات الأسرى، وخروجًا عن الحق الفلسطيني، وجريمة بحق الوطن والإنسان والأرض الفلسطينية، وبرز ذلك جليًّا في تصاعد العمليات الجهادية وملاحقة المستوطنين وجنود الاحتلال في القدس ومدننا المحتلة، وهو ما يعكس نجاح المقاومة في الاندماج مع الجبهة الداخلية لشعبنا الفلسطيني في مدن وقرى الضفة واحتضانها شعبيًّا، رغم الملاحقات والاعتقالات التي يقوم بها الاحتلال والسلطة الفلسطينية هناك.
إن المقاومة في الضفة الغربية صاعدة، وهي عنفوان جذوتها، رغم التنسيق الأمني بين السلطة ودولة الاحتلال نجحت المقاومة في إيجاد وسائل وأدوات تمكنها من أن تتصاعد على الساحة الفلسطينية بشكل جاد وموضوعي وفق رؤية ديناميكية، وفق قواعد وطنية شاملة تهدف لديمومة العمل المقاوم في وجه الاحتلال.
التنسيق الأمني في الضفة بأيدي أبناء الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة يمارس جريمة وطنية مرفوضة وسقوطًا باستهدافه المجاهدين، وإهانته الأسرى المحررين، وتمزيق رايات المقاومة، والاعتقال السياسي، ومصادرة ممتلكات الفصائل، وإذا ما أضفنا سياسة التصفية الجسدية والاغتيال؛ نستذكر الشهيد نزار بنات الذي صرخ رافضًا إجرام أجهزة التنسيق الأمني وفساد السلطة، وكشف ملفات المفسدين في الضفة؛ فكان مصيره القتل تحت تعذيب هذه الأجهزة غير الوطنية.
لقد فشلت السلطة وتحالفاتها العميقة مع أجهزة أمن الاحتلال في إيقاف عمليات المقاومة ضد الاحتلال جيشه ومستوطنيه، رغم التنسيق الأمني العالي، الذي تجلى في زيارات عدة إلى رأس هرم الحكم في الضفة، وكان آخرها زيارة قائد (شاباك) إلى المقاطعة برام الله واستقبال قيادتها له، رغم كل هذه التحديات نجحت فصائل المقاومة -وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي- في تشكيل تحالفات مع مختلف الفصائل الفلسطينية، ما خلق واقعًا جديدًا استطاعت فيه الفصائل خلال السنوات القليلة الماضية تعزيز وزيادة وجودها في مدن وقرى ومخيمات الضفة، ضمن أطر وقواعد وطنية منتشرة بين جماهير الشعب بالضفة.
إن السياسة التي تنتهجها إدارة محمود عباس في السلطة فشلت في إيجاد علاقة متوازنة مع الفصائل، وفشل في بناء ثقة بينه وبين الشعب، والأمن في الضفة بات صوت فتح وحدها وهي تغرد خارج السرب الوطني في انقلاب على الشراكة الوطنية، باتت تصنع الأزمات بما تقوم به أجهزتها الأمنية من ممارسات غير منضبطة وطنيًّا، كانت آخرها -وليست بالأخيرة- الاعتداء على المقاومين في مخيم جنين وملاحقتهم وتهديدهم بالاعتقال السياسي، الواجب على السلطة برام الله أن تسعى إلى تحقيق مصالح شعبنا بعيدًا عن المصالح الشخصية لبعضٍ، وأن تعمل من أجل الرجوع إلى الإجماع الوطني وجعله قاعدة للانطلاق، وإلا فإن السلطة سيكون مصيرها السقوط في الهاوية مع حالة التيه والتعنت وعدم قبول الآخر.
إن التهديد الذي تمارسه أجهزة فتح بسيف التنسيق الأمني سيجعلها وحيدة بعيدة عن جماهير الشعب؛ فالمقاومة اليوم باتت خيارًا شعبيًّا وقوة صاعدة، إن بقاء السلطة باتت محدودًا، وهو ما أشارت إليه صحيفة (ناشيونال إنترست) الأمريكية المقربة من دوائر السياسية الرسمية، أن مرحلة ما بعد رحيل عباس هاجس يؤرق السياسة الخارجية الأمريكية مع تصاعد وجود المقاومة في الضفة، المستقبل للمقاومة والتاريخ سيخلد المجاهدين الأحرار المدافعين عن حقوق شعبهم، والنصر حليفهم.