فلسطين أون لاين

بكاء الموظفة في العمل.. بوابة مؤقتة للهروب من الضغوط

...
غزة/ هدى الدلو:

تقول أستاذة الطب النفسي الإكلينيكي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس ومؤلفة كتاب "الحرية العاطفية" جوديث أورلوف: "حرر نفسك من المشاعر السلبية وغير حياتك"، فترى أنه من الطبيعي أن تبكي في مجموعة، لكنها لا تنصح مرضاها بالبكاء في اجتماع عمل أو في العمل، لكونه قد ينظر إليه ضعفًا، وبدلًا من ذلك تقترح أن يجد المريض مكانًا يمكنك فيه البكاء في خصوصية.

وفقًا لدراسة منشورة في موقع (Journals) عام 2018، تناولت كيفية تقييم الرجال لزميلاتهم المهنيات، عندما كن يبكين في العمل؛ إنهم يرونهن ضعيفات أو غير مهنيات أو متلاعبات، مع أن البكاء كان بسبب ظرف معين، أي أنهن كن يعانين من المواقف الصعبة في العمل، أو القضايا الشخصية في المنزل.

دينا الهمص موظفة عاملة في المجال الحكومي الصحي، دفعها ضغط العمل في أكثر من موقف إلى البكاء، وتشير إلى أن الفتاة أيًّا كانت مكانتها ووضعها فإنها لا تتخلى عن طبعها الحساس.

وتقول: "إن الموظف يعامله المدير أحيانًا حسب المزاج الشخصي له، إذ يلقي بعصبيته على موظفيه، فلا تعرف سبب عصبيته سوى أنك مضطر إلى التحمل والصبر، لكن في النهاية تشعر بأن الأمر وصل إلى حدود انتهاك احترامك، ما يبعث في النفس شعور القهر والرغبة في البكاء".

وتلفت الهمص إلى أنها تتحاشى البكاء أمام جميع الموظفين خشية اعتقادهم أن ذلك نابع من قلة ثقة بنفسها، بل بين زميلاتها في العمل اللواتي يتفهمن طبيعة شخصيتها والموقف أو الظرف الذي تمر به، ومع ذلك لا تؤجل التعبير عن الضغط الناتج عن العمل إلى بيت، لكي لا تخلط بين مشاكل العمل وحياتها الأسرية والاجتماعية.

وتتحدث غدير شعث مدربة ومنشطة رياضية أن السيدات بطبيعتهن سريعات البكاء والتأثر بالظروف، لكن البكاء لا يأتي من فراغ، بل يكون لعدة أسباب كالتفكير الزائد في مشاكل الحياة، والضغوط النفسية التي تعانيها في البيت والعمل والأبناء وغيرها.

وتعتقد أن الاحتمالية الأكبر لبكاء السيدات في العمل أنه ينم عن ضعف شخصية وليس عن ضعف مهنية، فيعددن من المطبقات للقوانين والأنظمة.

ومرت شعث بأكثر من موقف في العمل دفعها للبكاء، ولكنها اختارت مكانًا خاليًا بعيدًا عن أعين رفقائها في العمل، وذلك بسبب خسارتها في إحدى المباريات، والمرة الثانية لخسارتها فرصة عمل.

طريق للهروب

ومن جهته يتحدث الاختصاصي النفسي التربوي علي القطناني أن الإنسان كائن اجتماعي يتفاعل مع الأحداث التي تدور من حوله، ويترتب على هذا التفاعل حسب طبيعة شخصيته وقدراته وفهمه وتصرفاته، وقد يعبر عن تفاعلاته بالصراخ أو البكاء أو على شكل انسحاب.

ويشير إلى أن طريقة التفاعل لدى بعض الموظفات كالبكاء في العمل يظنها بعض إحدى طرق التفريغ النفسي، وبالتالي تخدع الموظفة نفسها بهذه الطريقة، إذا لم تحاول البحث عن حلول للإشكالات التي تثري بكاءها. 

ويقول القطناني: "هذا البكاء إذا تكرر فإن أثره التراكمي معكوس على الشخص الذي يقوم به، وتظن أنها تمارس الهروب من الضغط الواقع عليها، وتظن أنها قد تشعر بالراحة، ولكنها تتفاجأ أنها راحة مؤقتة، وبالتالي يصبح هناك انعكاس تراكمي لعدم قدرتها على التعامل مع الضغوط والانفعالات، ما يشكل لديها ضغطًا إضافيًّا، فكل مرة تحاول البكاء والانسحاب بطريقة مختلفة، وهو تصرف غير إيجابي في التعامل، وقد تلجأ إلى العصبية والعدوانية".

ويضيف: "البيئات التي نعيش فيها صعبة وتحتاج منا إلى العناية بأنفسنا، وعلى الشخص الذي يريد الخروج من دائرة البكاء في العمل العناية بذاته وزيادة ثقته بنفسه، وتنمية قدرته على إدارة انفعالاته والانتباه للإشكالات التي يمكن أن يقع فيها، وإعطاء نفسه الأولوية في التعامل مع المحيط الخارجي، خاصة أنه قد لا يراعي تفاصيل حياته الخاصة".

ويوضح القطناني أنه حتى تخرج الموظفة من هذه الدائرة عليها تحديد العلاقات، فالعلاقة التي تثير انفعالات الموظفة بهذه الطريقة غير الإيجابية تقطعها أو تضعها في دائرة العلاقة الرسمية، ولتجاوز الأمر أيضًا عليها تحديد المهام المطلوبة في العمل حتى لا تقع تحت ضغط يتسبب للموظفة بالبكاء. 

ويبين أن أي شخص لديه استعداد للوقوع في الإشكالات بحكم الضغوط المفروضة، وللخروج من الدائرة عليه أن يعي طريقة التعامل مع الضغوط لكونها تحدد بالضبط هل سينفعل جيدًا أو يتجاوز هذه الضغوط.

"وحتى لا تقع الموظفة فيما يعرف بالهشاشة النفسية عليها أن توطد نفسها وتقوي شخصيتها، لتكن على علم ومعرفة بطبيعة ذاتها، والتي هي من أهم القضايا التي تساعد على الابتعاد وتجاوز الانفعالات غير المدروسة" وفقًا لحديث قطناني.

وينصح الموظفة التي تواجه موقفًا التحكم في جسدها لإعادة التوازن لذاتها، واستخدام الكرات الخاصة بالتخلص من التوتر والقلق، أو بإبعاد التركيز عن المصدر المباشر الذي يدفعها للبكاء، أو الانتقال إلى موقع ومكان مختلف، وغيرها.

يقلل التوتر ويعيد التوازن

ميلودي وايلدنغ أستاذة السلوك البشري في كلية هانتر الأمريكية تقول: "يمكنك الوصول إلى الهدوء دون ذرف الدموع من طريق التحكم في تنفسك، وقد يبدو الأمر بسيطًا، ولكن ثبت علميًّا أن التنفس المتحكم فيه يقلل من التوتر ويعيدك إلى حالة التوازن".

وتنصح بتجربة طريقة التنفس الصندوقي، الذي ينطوي على أخذ نفَس عميق مع العد إلى أربعة، والاحتفاظ به مع العد إلى أربعة، ثم إطلاق الزفير مع العد إلى أربعة، وحبس الزفير مع العد حتى أربعة، مع تكرار ذلك 3 مرات.

 

المصدر / فلسطين اون لاين