من المرجح أن يُصوِّت البرلمان البريطاني بالأغلبية على وصف حركة حماس بالإرهاب، وهذا ليس غريباً على حزب المحافظين، وعلى حكومة يمينية يحتقران العرب جميعهم، وينتظران الدعم من اللوبي الصهيوني، حيث تتمنى وزيرة داخلية بريطانيا أن تفوز بمعقد رئيس الوزراء في الانتخابات القادمة، وهي الوزيرة المعروفة بصداقتها المميزة مع الصهاينة.
لقد نكأ القرار البريطاني ضد حركة حماس الجرح الذي لم يندمل، وأيقظ لدى الشعوب العربية مشاعر الازدراء والاحتقار للسياسة البريطانية، التي عملت عبر قرون على إذلال الأمة العربية، واحتقار رموزها الدينية والوطنية، واستعمارها بالحديد والنار، بل وخداع شخصياتها، والتآمر عليهم، ولعل ما فعلته بريطانيا مع الشريف حسين بن علي، الذي حرضته لمحاربة الدولة العثمانية، حتى إذا استنفذ طاقته العربية في ملاحقة العثمانيين، غدرت بالحليف الذي كان وفياً لها، وتحالفت مع خصمه ابن سعود، بل عملت بريطانيا على طرد الشريف حسين من كل بلاد العرب، وحين التجأ إلى العقبة على البحر الأحمر، داخل الإمارة الأردنية، طلبت بريطانيا من الأمير عبد الله مغادرة والده الشريف حسين العقبة، ونفته إلى قبرص، حيث مات هناك، غريباً عن وطنه، مشرداً عن أهله، وكل ذنبه أنه وثق ببريطانيا العظمى.
وكذلك نكأ القرار البريطاني جرح فلسطين الذي لم يندمل، فانبعث من ذاكرة شعب فلسطين شهداء الثلاثاء الحمراء، أولئك الشباب الذين أعدمتهم بريطانيا دفاعاً عن الأطماع الصهيونية في اغتصاب فلسطين، وهم: محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، هؤلاء الفتية أعدمتهم بريطانيا لأنهم شاركوا بالثورة ضد الصهاينة، ولم تكتفِ الحكومات البريطانية المتعاقبة بذبح الأرض والإنسان الفلسطيني، بل فتحت السجون لآلاف الفلسطينيين، لأنهم فكروا للحظة في مقاومة الصهاينة، فكانت بريطانيا تحكم بالسجن على كل فلسطيني يمتلك رصاصة واحدة، في الوقت الذي أطلقت يد الصهاينة لتهريب المدافع والطائرات والرشاشات والبوارج الحربية، كي يحققوا أطماعهم في اغتصاب فلسطين، وطرد أهلها.
تلك هي بريطانيا الماضي، وهذه هي بريطانيا الحاضر، التي تحالفت مع أمريكا ضد شعب العراق، فغزته، ودمرته، وسحقته، وتركته ممزقاً، ولما تزل تتآمر على الإنسان العربي، بدعم الأنظمة الدكتاتورية، ومحاربة الديمقراطية في أي بقعة من بلاد العرب، لقد أيقظت بريطانيا الذاكرة، وفجرت خزان الأحقاد العربي ضد هذه السياسة التابعة لأعداء الحرية والكرامة الإنسانية، وهذا ما يحتم على الشعوب العربية أن تتخذ موقفا من القرار البريطاني ضد القضية الفلسطينية، فحركة حماس حركة مقاومة، تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وكل اعتداء على حركة حماس، أو على أي تنظيم فلسطيني، هو اعتداء على مجمل الشعب الفلسطيني.
إن التصدي للقرار البريطاني واجب وطني وأخلاقي وديني وإنساني، فبريطانيا هي التي قسمت البلاد العربية إلى شعوب وقبائل، بعد أن قتلت آلاف الرجال والنساء العرب، وأحرقت البيوت على النساء والأطفال، وسجنت عشرات آلاف الشباب العربي، وعذبتهم، ومسحت الشخصية العربية في كل البلاد التي استعمرتها؛ بدءاً من مصر والأردن واليمن والعراق والخليج، وحتى الصومال وفلسطين، ولم تنجُ من البلاء البريطاني حتى تلك البلاد التي تقاسمتها مع فرنسا.
الجرائم البريطانية في الماضي والحاضر تحتم على الشعوب العربية مقاطعة المنتجات البريطانية على أقل تقدير، وهذا العقاب لا يحتاج إلى قرار من الحكومات العربية، ولا يحتاج إلى اجتماع جامعة الدول العربية، التي لم تغضب للقرار البريطاني، قرار مقاطعة المنتجات البريطانية يحتاج إلى الوعي الجماهيري، والانتماء الصادق لهذه الأمة، والحرص على مستقبلها، من خلال الشعور المشترك، ولا سيما أن البدائل للمنتجات البريطانية متوفرة في بلاد العرب، بدءاً من المنتجات التركية والصينية وحتى المعلبات البرازيلية.
ملحوظة: حين كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقاتل العدو الإسرائيلي، ولا تعترف بدولته، اعتبرها الغرب منظمة إرهابية، وحين ألقت منظمة التحرير البندقية، وتوقفت عن قتال العدو، وعشقت التنسيق والتعاون الأمني، اعترف بها الغرب، واعتبرها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
نحن الشعب الفلسطيني، سنحتقر حركة حماس لو ألقت البندقية، واعترفت بـ(إسرائيل)!