على الرغم من حالة السيطرة شبه المطلقة التي تفرضها قوات الاحتلال على الضفة الغربية، بحملات الاعتقال اليومية، والاستدعاءات الأمنية، فإن القلق الإسرائيلي من هذه الساحة ما زال في ذروته، ولعل آخرها ما رافق جنازة القيادي الوطني وصفي قبها، الذي توفي متأثرا بإصابته بوباء كورونا.
على الرغم من أن وفاة قبها جاءت طبيعية في ظل ما تعيشه الأراضي الفلسطينية من كارثة كورونا، فإن جنازته شكلت ما يشبه استفتاء على ما كان يحمل الفقيد من مبادئ وأهداف وأفكار تمثل قاسما مشتركا لجميع الفلسطينيين، بعيدا عن حالة الاستقطاب القائمة على الساحة الفلسطينية، بدليل أن المشاركين في جنازته جاؤوا من كل الأطياف السياسية والتوجهات التنظيمية.
ما يهمنا في هذه السطور بصورة مركزة حالة "الهوس" الإسرائيلية التي صاحبت الجنازة، فقد عد الاحتلال بمختلف وسائله الإعلامية وتقاريرها الإخبارية أن ما شهدته جنازة قبها يعد فشلا ذريعا للجهود الأمنية المستمرة منذ أكثر من 15 عاما ضد قوى المقاومة في الضفة الغربية، بدليل أن الجنازة رافقها خروج عشرات المسلحين والملثمين الذين يهتفون باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، التي كان قبها أحد قادتها في الضفة الغربية.
أكثر من ذلك، فقد حرض الإسرائيليون السلطة الفلسطينية بما يكفي على هذه المشاهد، التي زعموا أنها تشكل تحديا لها ولسيطرتها على المشهد الميداني في الضفة الغربية، الأمر الذي نجمت عنه حملة إقالات في صفوف قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية هناك، بالرغم مما خرج من تبريرات بأنها تنقلات إدارية ليست لها علاقة بما حصل في جنازة قبها.
ولأن "توضيح الواضحات من الفاضحات"، فلم يعد سراً أن ما تداولته الأوساط الأمنية في الضفة الغربية تحدث بصورة لا تقبل كثيرا من الشك بأن هذه الإقالات جاءت نتيجة لغضب إسرائيلي مما شهدته شوارع جنين خلال الجنازة، ولعل زيارة رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام-الشاباك الجديد رونين بار لمقر المقاطعة وسط رام الله، ولقاءه مع أبي مازن، جاءت لتؤكد ما كان مشتبهاً به، من حيث تأكيدهما استمرار التنسيق الأمني، واعتبار أن "ضبط" الأوضاع في الضفة الغربية إنما هو مصلحة "مشتركة" أمام عدو واحد!
إن ما شهدته الضفة الغربية في الأيام الأخيرة لا يجب أن يفاجئ الوطنيين الفلسطينيين الذين يعتقدون اعتقادا جازما أن الضفة الغربية ستبقى ساحة الصراع الحقيقية، صحيح أنها قد تصاب بتراجع هنا أو انتكاسة هناك لكثير من الأسباب الذاتية والموضوعية، لكنها ما تلبث أن تعود لحالتها الطبيعية، وهي أنها الخاصرة الضعيفة للاحتلال، والجرح النازف لمستوطنيه، أمس واليوم، وغدا!