عطاف النجيلي فنانة تشكيلية، واحدة من الفتيات اللواتي يفضلن ارتداء الكوفية الفلسطينية في أغلب الأوقات، خاصة في المناسبات الوطنية، وفي أثناء رسمها الجداريات، لتوصل رسائل مزدوجة بما ترتديه من لبس تراثي، والفكرة التي تحاول إيصالها بريشتها وألوانها.
وترى أن الكوفية تمثل القوة والعزة والكرامة، والانتماء الوطني لفلسطين لكونها تعبر عن هويتها، ولذلك ما تذكره أنها ترتديها بالفطرة؛ فهي وعيت على أفراد عائلتها متمسكين بالتراث الفلسطيني المتمثل في الزي الذي يعبر عن هويتهم.
وفي يوم الكوفية الفلسطيني توجه النجيلي رسالة للأجيال الناشئة بالتمسك والتشبث بالثوابت الفلسطينية، وكل ما يعبر عن هويتهم ونضالهم ضد المحتل.
ويوافق السادس عشر من تشرين الآخر (نوفمبر) من كل عام يوم الكوفية الفلسطيني؛ إذ يحيي الفلسطينيون هذا اليوم منذ عام 2015 بعدما أعلنته وزارة التربية والتعليم يومًا وطنيًّا يتوشح فيه أفراد العملية التعليمية بالكوفية: الطلبة ومديرو المدارس والمعلمون والموظفون، ويرفعون الأعلام الفلسطينية، وتصدح أصواتهم بالأغاني الشعبية والوطنية، هادفين من ذلك لربط الأجيال الجديدة بالهوية الوطنية وتعزيز وعيهم الوطني.
وترى حنين الحسنات الكوفية الفلسطينية جزءًا من التراث الفلسطيني، "الذي يعبر عن تاريخ الشعب الفلسطيني وثقافته وماضيه وحاضره ومستقبله"، ولا يقتصر ارتداؤها على المناسبات الوطنية والفلسطينية، فهي أيضًا حاضرة في فصل الشتاء وشاحًا لتدفئة الرقبة.
تقول الحسنات لصحيفة "فلسطين": "وأمام محاولات الاحتلال الإسرائيلي لسرقة التراث الفلسطيني بكل أشكاله لا بد من سعي الفلسطينيين إلى التمسك به وارتدائه في مختلف المناسبات الوطنية والتراثية حتى الشخصية، ليعرف العالم من هم أصحابه وأهله".
رمزية نضالية
وتعد الكوفية من رموز النضال والمقاومة الفلسطينيين، وقد حازت شهرة واسعة النطاق إبان مقاومة الفلسطينيين الاحتلال البريطاني، إذ باتت ضمن اللباس الرسمي للثوار الفلسطينيين في ثورتهم عام 1936، بعدما قرروا الاستغناء عن العمامة والطربوش وتضليل سلطات الانتداب بارتداء جميع الثوار والفدائيين الكوفية والعقال، لعدم القدرة على تمييزهم واعتقالهم.
وكان الفدائيون يغطون بها وجوههم ورؤوسهم كاملة ولا يظهر منها سوى عيونهم، وقد أغاظ هذا الفعل الجنود البريطانيين، ما دفعهم لاعتقال وقتل كل من يعتمر الكوفية، فوقف الشعب الفلسطيني وقفة رجل واحد وقرروا أن يرتدي الجميع الكوفية للتغطية على الفدائيين وتضليل الجيش، حتى النساء شاركن في ذلك، لتفشل خطتهم في الوصول إلى الفدائيين، وتزداد مكانة الكوفية في نفوس الفلسطينيين، وتصبح رمزًا للفدائي المقاوم، وتشعر من يرتديها بالكرامة والشجاعة.
معانٍ متعددة
واللافت أن للكوفية تاريخًا طويلًا متجذّرًا في الشرق الأوسط ورمزية سياسية، قبل أن تتحول بدورها إلى أيقونة في عالم (الموضة).
وتتحدث أحلام الشاعر مديرة الفنون والتراث في الهيئة العامة للشباب والثقافة أن الكوفية الفلسطينية من أهم الأزياء الفلسطينية التي كان يرتديها سكان الريف الفلسطيني، فتشكيلتها تجمع بين جميع أهل فلسطين، فترمز شبكة الصيد التي عليها لأهل الساحل، أما حوافها وأطرافها فهي رمز لأهل الجبل.
وتشير إلى أن الكوفية هي امتداد لوشاح يرتديه أهل الشام والعراق على اختلاف ألوانها وأشكالها، فألوان الفلسطينية منها الأسود والأبيض، وهي مأخوذة من شبكة الصيد.
وعن البعد الثقافي توضح الشاعر أن الكوفية جزء من ثقافة الشعب الفلسطيني وتعبر عن هويته، فالزي الفلسطيني بكل مكوناته يعكس ثقافة وتاريخ الشعب على مر الأزمنة، كما أنها تحمل بعدًا نضاليًّا ووطنيًّا ظهر في الثورة الفلسطينية الكبرى، ومنها باتت ذات رمزية في معارك الفلسطينيين.
وقد ازدادت الكوفية شهرتها وارتباطها بالقضية الفلسطينية عالميًّا، عندما ظهرت المناضلة الفلسطينية ليلى خالد متشحة بها غداة عملية خطف وتفجير الطائرة الإسرائيلية، وكذلك اعتلاء الرئيس ياسر عرفات منصة الأمم المتحدة وهو يرتديها، ممثلًا دولة فلسطين ليعطيها رمزية دولية.
وإذ تلفت الشاعر إلى محاولة الاحتلال سرقة الكوفية وتغيير ملامحها وألوانها وزخرفتها لتتلاءم مع علمه، "ما يوجب على فلسطينيي الخارج توجيه المؤسسات الدولية لحماية التراث وإثبات رمزيتها الفلسطينية"؛ إنها تنبه إلى حضور الكوفية في غالبية التظاهرات المناهضة لاضطهاد الشعوب ورمزًا لنضالها، وبذلك هي قد تجاوزت الحدود الجغرافية.
ونشرت مجلة (Elle) مقالًا عن الكوفية، تلفت فيه إلى أنه في عام 2017 وُجدت الكوفية بين مئات الملابس والإكسسوارات في معرض متحف نيويورك للفن الحديث.
وكثيرون استعاروا الكوفية، غير أن الاستعارات الأكثر إثارة للجدل كانت تلك التي قام بها المصمّمون الإسرائيليون.
ففي عام 2015، بمناسبة أسبوع (الموضة) الإسرائيلي، صنع المصمم مينكوفسكي فساتين من الكوفية المصنوعة في الخليل، زاعمًا أن الهدف من ذلك هو خلق رمز للتعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
غير أن هذه الخطوة أثارت غضبًا شعبيًّا عارمًا، وعدّها بعض "وقاحة" جديدة من فصول الاعتداءات الإسرائيلية التي لا تنتهي، خاصة أن المصمم الإسرائيلي وضع "نجمة داود" على الكوفية.
وغدت الكوفية ذات معنى لحدث كبير مع ظهور الناطق العسكري باسم القسام أبي عبيدة بكوفيته الحمراء، مشهرًا انتصارات المقاومة الفلسطينية خلال الحروب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة.