يتجاوز التفاعل العالمي والأوروبي الضخم مع الحملة الإلكترونية بوسم "عندما تزورنا حماس" حدود رسائلها الرمزية، ليعكس احتفاء الشارع الأوروبي وناشطين من مختلف دول العالم بالمقاومة، كما يُظهر فشل الدعاية الإسرائيلية واللوبي الصهيوني في قلب الحقائق، رغم محاولاتهم المستمرة لإخفاء صور الإبادة الجماعية عبر وسائل الإعلام الرسمية. إلا أن الحقيقة تجاوزت كل تلك المحاولات، وبات تأثيرها واضحًا في زيادة عزلة الاحتلال وتعزيز مكانة المقاومة.
بمشاركة ضخمة تجاوزت 39 مليون شخص من مختلف الجنسيات، انطلقت حملة إلكترونية تحت وسم "عندما تزورنا حماس"، حيث نشر ناشطون من جميع أنحاء العالم صورًا لأشهر الأطعمة التقليدية في بلدانهم، مرفقة برسائل تؤكد استعدادهم لاستقبال عناصر المقاومة الفلسطينية بضيافة مميزة عند زيارتهم.
كما ارتدى بعض الناشطين قمصانًا تحمل المثلث الأحمر المقلوب، الذي يُستخدم من قبل كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، للإشارة إلى تحديد أهداف عسكرية لجيش الاحتلال في غزة.
تهديد تحول إلى تظاهرة
بدأت الحملة بمنشور للناشطة الإيرلندية "جوردز"، المعروفة بدعمها للقضية الفلسطينية وتسليطها الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية، حيث كتبت:
"الشعب الإيرلندي لا يتظاهر بأنه مضطهد مثل الفلسطينيين. أيها الأمريكيون والبريطانيون الأغبياء ذوو العقول الاستعمارية، لن تفهموا ذلك لأنه يتطلب تعلم معنى التضامن، وهو ما تجهلونه تمامًا".
لكن التفاعل الحقيقي بدأ بعد رد استفزازي من مدونة إسرائيلية تُدعى "مالو"، التي كتبت بسخرية: "في انتظار زيارة حماس لكِ ولعائلتكِ". هذا التعليق سرعان ما أثار موجة واسعة من الردود، حوّلت التهديد الإسرائيلي إلى حملة تضامن عالمية مع المقاومة الفلسطينية.
أبرز التفاعلات:
نشر مدون صيني صورة له وهو يُعد الفطائر، معلقًا: "أنا عندما تزورني حماس وعائلتي"، بينما نشر مدون بولندي صورة لمائدة مليئة بالأطعمة والحلويات، معلقًا: "حين تأتي حماس لزيارتي أنا وعائلتي".
في حين نشر حساب (Jords) نشر صورة لأحد عناصر القسام وهو يقبّل رأس امرأة مسنّة، معلقًا: "أنا عندما يصلون"، أما (Siahmed Zineb) فنشر صورة لمائدة طعام إلى جانب صورة لحفل استقبال شعبي، وكتب: "عندما تزورني حماس".
كما أرفقت (Yassmina) صورة لجندي إسرائيلي يُقبّل رأس أحد عناصر القسام أثناء الإفراج عنه، إلى جانب صور لأشهى الأطعمة، وعلّقت: "يا ليتنا نحظى بشرف زيارة المجاهدين الذين رفعوا رأس أمة محمد"، بينما كتبت (Boshra Anwar): "أقسم بالله سيكون يوم عيد، على رؤوسنا هؤلاء".
حراك عالمي متواصل
لم يقتصر التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية على الحملة الإلكترونية، فخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، شهدت مدن وجامعات وعواصم أوروبية مظاهرات حاشدة رفضًا للإبادة الجماعية. كما تصاعدت حملات المقاطعة الاقتصادية والثقافية، في حين شهدت مباريات منتخب الاحتلال وفرقه الرياضية عزوفًا جماهيريًا، وتعرّض اللاعبون الإسرائيليون لصافرات استهجان، كما حدث في مباراة منتخب الاحتلال ضد نظيره الفرنسي، رغم حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكبار المسؤولين.
يُشير هذا الرفض المتزايد إلى تراجع مكانة (إسرائيل) في أوروبا، التي كانت تُعتبر معقلًا رئيسيًا لدعمها. فأصبحت تل أبيب الآن "ضيفًا غير مرحب به" في ملاعب أوروبا وجامعاتها ومؤسساتها الثقافية والفنية.
يرى رئيس التجمع الفلسطيني في إيطاليا، د. محمد حنون، أن هذا التفاعل العالمي الواسع يُعبّر عن حالة تضامن مجتمعية حقيقية مع القضية الفلسطينية، معتبرًا أن ذلك هو حصيلة لحراك عالمي استمر أكثر من 16 شهرًا، ومسّ مختلف النخب والشرائح الاجتماعية حول العالم.
يقول حنون لصحيفة فلسطين: "كوني أعيش في أوروبا، شاهدت عن قرب حجم التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية، وخاصة خلال العدوان الأخير على غزة. فقد شاركت مختلف الفئات الاجتماعية، من طلبة المدارس والجامعات إلى النقابات العمالية، في حملات مقاطعة واسعة، بالإضافة إلى مظاهرات أمام مقار الشركات الكبرى، احتجاجًا على تعاملها مع الاحتلال، كما شهدنا حملات لمقاطعة شركات الأدوية الإسرائيلية وشركات تصنيع وبيع وشحن الأسلحة التي تُستخدم في قتل الفلسطينيين".
يؤكد حنون أن هذا الحراك العالمي يُجبر الحكومات الأوروبية على إعادة النظر في دعمها لـ(إسرائيل)، خاصة بعد توثيق جرائم الإبادة التي ارتكبتها في غزة. كما يُشير إلى أن الشعوب بدأت تأخذ دورًا مؤثرًا في تغيير الرأي العام، لدرجة أن موقف السياسيين الأوروبيين تجاه القضية الفلسطينية أصبح عنصرًا مؤثرًا في نتائج الانتخابات البرلمانية.
واقع الاحتلال المعزول دوليًا
ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، راح ضحيتها أكثر من 46 ألف شهيد فلسطيني، بينهم نحو 18 ألف طفل. وبالتوازي مع المجازر الوحشية، شهدت دول العالم تظاهرات حاشدة، نددت بجرائم الاحتلال، وأكدت وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني.
يصف د. حنون هذه الحملة الإلكترونية بأنها "صحوة عالمية سريعة وعنيفة" ضد الجرائم الإسرائيلية، مشيرًا إلى أنها تمثل ضغطًا مباشرًا على صناع القرار في أوروبا لاتخاذ موقف واضح يدين الاحتلال.
يُضيف: "الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية يتزايد بشكل غير مسبوق. اليوم، يدرك الشارع الأوروبي أن ما يجري في فلسطين هو إبادة جماعية ترتكبها (إسرائيل) بدعم رسمي من حكوماتهم. وهذا ما يفسر تصاعد الحملات الشعبية المناهضة للاحتلال، واتساع رقعة المقاطعة الاقتصادية والثقافية والأكاديمية له".