يواصل الملف النووي الإيراني فرض نفسه على أجندة العلاقة بين واشنطن و(تل أبيب)، ورغم أنه ساهم إلى حد كبير في توتير العلاقة إبان حقبة بنيامين نتنياهو مع باراك أوباما، فيما حصل توافق نسبي مع دونالد ترامب، لكن الفترة الحالية التي يحكم فيها بايدن، الرئيس الديمقراطي، أمام نفتالي رئيس الحكومة اليميني، الحريص، أكثر من أي شيء آخر، على بقائه في الحكم أطول فترة ممكنة، تتداخل فيها جملة من العوامل الذاتية والموضوعية، لدى الجانبين، في واشنطن و(تل أبيب).
آخر التأثيرات الإيرانية على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تمثلت في عدم ترحيب الأخيرة بزيارة المبعوث الأمريكي لشئون إيران روبرت مالي إلى (تل أبيب)، من خلال امتناع رئيس الحكومة عن اللقاء به، واضطرار وزير خارجيته يائير لابيد للاجتماع معه دون رغبة منه، في رسالة ظهرت أكثر من واضحة عن عدم الرضا الإسرائيلي عن السلوك الأمريكي المتبع حاليا، وربما مستقبلا، إزاء المشروع النووي الإيراني، واحتمالية أن يمضي بادين قدما في إنجاز اتفاق نووي جديد مع القوى العظمى.
ليس من المتوقع أن تدخل العلاقة الإسرائيلية الأمريكية مرحلة تأزُّم كتلك التي عاشتها إبان حقبة نتنياهو-أوباما في 2016 تحديدا، وفي الوقت ذاته ليس مرجحا أن تبقى علاقتهما "سمنًا على عسل"، كما تأملا في البداية، لا سيما وأن لديهما هدفا مشتركا يعتبر القاسم الأهم لديهما وهو إبعاد شبح وصول نتنياهو الى السلطة مجددا.
مع العلم أن العامل العسكري والأمني والاستخباري الإسرائيلي يشكل الأكثر حسما في تقديم التصور الأكثر توافقا عليه تجاه إيران، صحيح أن نتنياهو لم يكن على توافق تام مع الجنرالات إزاء النظرة لإيران وتطلعاتها الإقليمية وطموحاتها النووية، بل إنه حاول إجبارهم على الانحياز لموقفه الصقري منها، في حين أن وزير الحرب الحالي بيني غانتس يعد ابن المؤسسة العسكرية، وقد يبقى مصطفا خلف ضباطه في عدم الاستعجال بتوجيه ضربة هجومية على إيران، إلا إذا -كما حدث ذلك في بعض الأحيان- خضع مثل هذا القرار المصيري لاعتبارات حزبية داخلية، أكثر من الأبعاد العسكرية العملياتية البحتة.
ما زال أمامنا مزيد من الوقت لإبقاء الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول إيران تحت الرماد، طالما بقي هاجس عودة نتنياهو قائما، أما في حال تبدد ذلك الاحتمال، أو تراجعه على الأقل، أو وصل الجانبان الى حالة من حسم المواقف من إيران، وأصر الأمريكان على الذهاب إلى اتفاق نووي يتناقض مع المصالح الأمنية الإسرائيلية، حينها قد يجد هذا الخلاف الحقيقي بين واشنطن و(تل أبيب) طريقه إلى الصحف وعناوينها الرئيسة، رغم عدم رغبة الجانبين بذلك، وسعيهما الحثيث للعثور على مسافة وسطى رمادية تحفظ لكل منهما مصالحه في الملف الإيراني، دون الوصول إلى صدام يمكن تلافيه.