فلسطين أون لاين

​رمضان دون "الأقمار السبعة" كيف يكون؟!

...
غزة - أسماء صرصور

"الأقمار السبعة" هل يذكرك هذا اللقب بشيء عزيزي القارئ؟، نعم، هم أنفسهم من أقصد، "الأقمار السبعة" الذين ارتحلوا في ليلة ماطرة وباردة جدًّا، كانوا يحفرون نفقًا للمقاومة شرقي مدينة غزة، فشاء لهم الله أن يغرقوا فيه ويرتقوا شهداء.

انهار النفق إثر منخفض جوي ضرب المنطقة في يناير 2016م، ليرتقي ثابت الريفي، وغزوان الشوبكي، وعز الدين قاسم، ووسيم حسونة، ومحمود بصل، ونضال عودة، وجعفر حمادة شهداء في السادس والعشرين من الشهر نفسه.

"فلسطين" في زاوية "نشتاقهم" حادثت ذويهم وأحباءهم، لتتعرف أكثر كيف كان "بعض" شهداء الأقمار السبعة يقضون رمضان، وكيف الشوق إليهم؟، تفاصيل يروونها تخفف عنهم لهيب الفقد، والتفاصيل في التقرير.

غزوان الشوبكي

أم باسم والدة الشهيد غزوان الشوبكي (استشهد وعمره (22 عامًا) رحبت بالحديث عن ابنها، وطوال مدة اللقاء كان لسانها يلهج له بالدعاء، تقول: "غزوان وشقيقته إسراء التي تصغره بعام ويوم كانا دومًا يجهزان طعام السحور، ويرفضان رفضًا باتًّا أن أساعدهما، فتحتوي المائدة على المربى والجبنة واللبنة والشاي والخبز".

وتشير إلى أن ابنتها إسراء لا تزال مستمرة في إعداد طعام السحور، لكنها ترفض أن يشاركها أحد أو يخفف عنها العبء، فلا أحد يحلّ محل غزوان، ولا تُشعر أحد من أفراد العائلة أن إعداده يتعبها أو يرهقها بل مستمرة بالروح نفسها التي رافقتها مع شقيقها.

وبعودتها إلى الحديث عن غزوان تبين أنه كان يحضر لها البسكويت والعصير، وعند قيام العائلة بحملة تنظيف وترتيب للمنزل في أي وقت وفي رمضان خاصة استعدادًا للعيد؛ تكون مهمة غزوان غسل وتنظيف المراوح والبطانيات والسجاد، ولا يسمح لوالدته المصابة بغضروف الرقبة أو أي أحد آخر بمشاركته في العمل، وإن بلغ منه التعب مداه.

وإن أزعج موقف والدة غزوان يسارع إلى التخفيف عنها وتسليتها، وكان يعشق تناول المعجنات من يديها وأرز "الأوزي بالخضار"، وتشير إلى أنه كان هو والشهيد عز الدين قاسم مترافقين منذ الابتدائية حتى آخر يوم في حياتهما عندما استشهدا معًا.

وفي أول رمضان لها دون غزوان لم تحتمل مرور اليوم الأول فيه، فلم تكن قادرة على الذهاب إلى صلاة التراويح والخروج من المنزل، فجمعت نساء المنطقة أنفسهن وجئن لزيارتها، فشعرت عندها أم باسم أنها ليست وحدها واستعادت همتها.

وأما في العيد الأول دونه فبعد أن عادت من صلاة العيد وجدت والد غزوان يبكي، لأنه افتقد عودة غزوان من صلاة العيد واحتضانه له وتقبيله له، فقالت له: "سأكون أنا لك غزوان"، فقبلته واحتضتنه كما اعتاد ابنهما أن يفعل تمامًا.

عز الدين قاسم

ومن والدة الشهيد غزوان الشوبكي ننتقل إلى رائد قاسم شقيق الشهيد عز الدين قاسم (الشهيدان رفيقا عمر كما سبق أن تحدثت والدة الشوبكي)، وعلى ما يبدو أثر صداقتهما كان يمتد ليقوما بالأفعال نفسها تقريبًا في المنزل، فحتى الشهيد عز الدين كان يجهز طعام السحور لعائلته، كما يقول شقيقه.

فعز الدين كان يعود من المسجد في تمام الثالثة فجرًا، ويعد السحور ويضع الجبنة "الفيتا" والجبنة الصفراء والبيض المسلوق والشاي والخبز، ويبدأ بتنبيه الأسرة ليستيقظ أفرادها، ويتناولوا طعام السحور معًا، والآن أخوه الأصغر معاذ تسلم الدفة ويعد السحور بنفسه، في موقف أدمعت منه عينا رائد الأخ الأكبر لهما.

ويلفت رائد إلى أن عز الدين كان ذا حنجرة ذهبية، لكنه كان حتى وقت قريب من استشهاده يخجل من التغني بصوته أمام الآخرين، إلى أن قرر الانطلاق وإبهار كل من حوله، فلم يكن يذهب إلى مكان إلا ويطلب منه الحاضرون أن يطربهم بمديح النبي والإنشاد، مشيرًا إلى أنه كان أكثر ما يدندن بصوته في المنزل، فتسعد أسرته به كثيرًا وبصوته الشجي.

ويتابع: "كان يخرج إلى عمله بعد صلاة الفجر، ويعود قبيل صلاة الظهر، فيصليها وينام حتى صلاة العصر، ومن صلاة العصر حتى صلاة المغرب نمكث معًا بالمسجد لنصلي ونقرأ القرآن الكريم ونحضر جلسات إيمانية".

بعدها يعود الإخوة جميعًا إلى المنزل، وتكون والدتهم في انتظارهم وقد أعدت لهم إفطارًا شهيًّا، وأكثر ما كان يحب الشهيد تناوله الدجاج المحشو، والأرز "الأوزي بالخضار"، والمفتول، ومن بعد الإفطار حتى صلاة التراويح يتناقش أفراد الأسرة في أخبارهم وأحوالهم، ويعدون جدولًا لصلة الأرحام بعد انتهائهم من صلاة التراويح.

وفي العشر الأواخر يعتكف عز الدين في المسجد، ويأخذ إجازة من عمله قبل ثلاثة أيام من عيد الفطر، فيستثمرها في تزيين المسجد وتجهيزه لاستقبال العيد، وتعبئة الحلو في أكياس صغيرة، لتوزيعها على المصلين في احتفال المسجد بالعيد.

وسيم حسونة

أخيرًا نختم تقريرنا بالحديث إلى أحمد أبو جراد الصديق المقرب جدًّا من الشهيد وسيم حسونة، كانا صديقين لا يفترقان في شهر رمضان المبارك، إلا إن كان أحدهما مدعوًّا لتناول الإفطار عند أقربائه، فالإفطار إن لم يكن في منزل وسيم يكن في منزل أحمد.

كان أحمد ووسيم يجتمعان قبيل شهر رمضان، ويضعان جدولًا لينظما وقتهما في الشهر الفضيل، ويشتركان في لجان الطعام والنظافة والنظام في مسجد المحطة بحي التفاح شرق مدينة غزة، ويعلقان الزينة في أرجائه احتفاءً بقدوم رمضان.

ومع إقبال رمضان يقول أحمد: "كنا نتناول طعام السحور معًا ونصلي الفجر ونبقى في المسجد إلى صلاة الضحى، ونزور المقبرة نترحم على والدتي، ونزور أصحابنا فيها، ونعود بعدها لننام قليلًا ثم ننام حتى الظهر، ومن صلاة العصر حتى أذان المغرب نجلس في الجامع ونحضر جلسات روحانية، إلى موعد الإفطار فننتقل إلى المنزل الذي سيكون عليه الدور في الإفطار".

وبعد الإفطار يجلسان مع شباب المسجد بانتظار صلاة التراويح، ليقوما بعدها بعبادة الله ورعاية عباده في عملهما بلجان المسجد، وفي الثلث الأخير يعتكفان في المسجد، ويساعدان في تجهيزه لاستقبال المحتفلين بعيد الفطر. الآن أحمد بعد فراقه لوسيم ما عاد قادرًا على نسج علاقة صداقة بمثل قوة علاقته بوسيم، لكنه يحاول أن يتغلب على مرارة الفقد بتتبع ما كان يفعلانه معًا وفاءً لروحه.