ما إن تهدأ جولة من التوتر التركي الإسرائيلي، حتى تنشب جولة أخرى، بغض النظر عن الأسباب سياسية كانت أو أمنية، أو حتى شخصية؛ ما يجعل منحنى علاقاتهما أبعد ما يكون عن الاستقرار على حالة بعينها.
آخر محطات التوتر بين أنقرة و(تل أبيب) تعود خلفياتها إلى أبعاد أمنية بحتة، وتتعلق باعتقال الأمن التركي لزوج من الإسرائيليين، دخلا البلاد في جولة سياحية، على ذمة الرواية الإسرائيلية، الأقرب دائما إلى الكذب وعدم الصحة، لكنهما ضُبطا على حين غرة، وهما يُصوِّران منزل الرئيس رجب طيب أردوغان.
بعيدا عن التفاصيل الأمنية والإجراءات القضائية المتعلقة بتوقيف الإسرائيليين لدى السلطات التركية، لكن تجدر الإشارة إلى أن اعتقال هذين الإسرائيليين جاء فقط بعد أيام قليلة على إعلان أجهزة الأمن التركية ضبطَ خلية تجسس تابعة لجهاز الموساد، كانت تقوم بمهام أمنية واستخبارية، لجمع المعلومات ورصد المواقع ومحاولة تجنيد آخرين.
صحيح أن هذا الكشف لم يتبعه أزمة سياسية بين أنقرة و(تل أبيب)، ربما، ولعل هذا السبب الأساسي، لأن أيًّا من المعتقلين في تلك الشبكة ليس إسرائيليا، وعليه فإن عادة إسرائيل ألا تعير انتباها لأي من جواسيسها الذين قد يلقى القبض عليهم، لأن ورقته تكون قد احترقت في هذه الحالة، ولا يستحق أن تندلع أزمة سياسية من أجله مع أي دولة أخرى.
أما الآن، وقد أصبح بحوزة الأمن التركي اثنين من الإسرائيليين، ومن جديد بغض النظر عن أي تفاصيل أمنية وإدارية وقانونية، فإن الأمر يستحق من وجهة نظر الاحتلال أن تنشب أزمة، وتجري الاتصالات، وتتدخل الوساطات، لذلك تم تفعيل الماكنة الإعلامية والدبلوماسية الإسرائيلية، فضلا عن الأمنية من وراء الكواليس.
لا تبدي حكومة الاحتلال حماساً للدخول في أزمة جديدة مع تركيا بسبب هذه الحادثة، لذلك فهي تلجأ في المقام الأول لمحاولة حل المسألة بهدوء، وبعيدا عن أي ضجيج؛ ما حدا برئيس الحكومة للطلب من وزرائه الصمت إزاء القضية، وعدم الإدلاء بأي تصريحات، خشية صدور تصريحات مضادة من جانب أنقرة، ومن ثم دخول الجانبين في حالة تبادل الاتهامات؛ ما يعقد المسألة أكثر، ويوصلها إلى طريق مسدود.
في الوقت ذاته، بدأت الأوساط الإعلامية الإسرائيلية تصب جام غضبها على تركيا ورئيسها، باعتباره شوكة في حلق (إسرائيل)، وجرحا نازفا في خاصرتها الضعيفة، مقارنة بما تشهده عواصم عربية مجاورة يُلقى القبض فيها على جواسيس إسرائيليين، وأحيانا قتلة، لكنهم يجدون طريقهم نحو العودة إلى (تل أبيب)، بهدوء وسلاسة، بل ويستقبلون استقبال الأبطال، أما عند أنقرة، فالوضع يبدو مختلفا، بل ومعقدا، على حد وصف رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت!