فلسطين أون لاين

عندما يخطئ الأبناء

إلقاء اللوم على الأمهات.. ذكورية مجتمع أم غياب لتكامل الدور التربوي؟

...
صورة تعبيرية
غزة/ هدى الدلو:

في كتابها "الأمهات السيئات" تقول د. لوري أومانكسي أستاذة التاريخ في جامعة ولاية أركنساس: "إن جزءًا من لوم الأمهات يكمن في البنية الجندرية لتربية الأطفال، حيث لا تزال الأمهات يقمن بمعظم الأعمال المرتبطة بالأطفال".

وتضيف: "إن عوامل مثل الآباء والمدارس والتلفاز والبيئة خارج المنزل تؤثر لا شك في الأطفال، ولكن لمّا كان الإنجاب يعد "عملًا للمرأة"؛ يلقى اللوم على الأمهات بشكل انعكاسي تقريبًا على أي شيء سيئ قد يصيب أطفالهن".

وتكمل أومانكسي: "إن التكيف الاجتماعي المتمثل في الثناء على الرجال لقيامهم بالحد الأدنى من الجهد جعلنا نعطي تملقًا لا داعي له للأب، عندما يكون جزءًا من تربية الطفل، هذا هو السبب في أن كلا الوالدين يُنسب إليهما الفضل في إنجازات طفلهما ونجاحه، في حين يلقى اللوم على الأم بسبب أخطاء طفلها"، فلماذا عندما تسوء الأمور مع الأبناء يلقى اللوم على الأمهات؟!

ندى عزام أم لخمسة أبناء، تتحدث بأنه طيلة مراحل تربيتها لأبنائها من أصغرهم حتى أكبرهم اللوم يتقاذف عليها من كل جانب بسبب ممارساتهم وأخطائهم التي يرتكبونها، قائلة: "المشكلة أن أغلب ممارساتهم الخطأ لا تحدث إلا أمام الغرباء، لأصاب بإحراج، خاصة عندما ينادون عليّ: (تعالي شوفي ابنك شو عمل)".

وأكثر ما يثير غضبها أنها عندما تكون برفقة زوجها لا يوجه له أي لوم على أفعال أبنائه، وكل اللوم والنظرات يلاحقانها، مشيرة إلى أنها تلاحظ غياب الأب بشكل ملحوظ ومتكرر عما قام به الأطفال وتسببوا فيه من أخطاء.

أما هالة ديب التي تخوض تجربتها الأولى في الأمومة فتقول إن هذه الإشكالية تسببت لها بـ"أرق نفسي"، مشيرة إلى أن الطفل يرتكب أخطاء عن غير دراية أو وعي، "ولكن السيئ في الأمر أنه يحرج والدته، ويلقي اللوم عليها، ولكن في حال فعل الطفل ما يمكن الافتخار به فإنه في الغالب ينسب الإنجاز لوالده".

تقول الكاتبة الهندية سوغاندا بورا: "من الشائع في الأسر الهندية أنه عندما يفعل الطفل أي شيء يستحق الثناء، فإن الأب عادة ما يقول عبارة على غرار: "ابني قام بعمل رائع" أو "أنا فخور بابنتي"، أما عندما يخطئ الطفل، فيقول الأب للأم: "انظري ماذا فعل ابنك" أو "علمي ابنتك كيف تتصرف". فيميل غالبية المحيطين بالأم والأب إلى إلقاء اللوم على أم الطفل وتوبيخها، وبهذه الطريقة لا يعفي الآباء أنفسهم من المساءلة عما يحدث من خطأ فحسب، بل يضعون اللوم بالكامل على الأم أيضًا".

مجتمع ذكوري

ومن جهته يتحدث الاختصاصي النفسي والاجتماعي إسماعيل أبو ركاب أن طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع ذكوري بامتياز، فالمفاهيم والثقافة المجتمعية لهما دور في التأثير في تصرفات الأفراد داخل المجتمع والمفاهيم المعمول بها.

ويشير إلى أن الأب يعمل خارج المنزل والأم تعمل في داخله، لذلك تحاسب على جميع تصرفات الأطفال ومسؤولة عن نظافتهم وتعليمهم وكل ما يتطلبه المنزل، "لذلك حسب فهم بعض الرجال لتلك النظرية الخطأ نجد الكثير من الأزواج يلقي بالعتاب واللوم على الزوجة، حتى لو كانت عاملة".

ويوضح أبو ركاب أن لذلك تأثيرًا على الزوجة التي يتملكها شعور دائم بالاكتئاب والقلق والضغط النفسي، مشددًا على أن مفهوم الكمال التربوي نسبي، ولا يمكن لأي زوجة الإيفاء بجميع متطلبات العائلة، ويضاف إلى ذلك الشعور الدائم بالقهر، ما يقلل من الكفاءة النفسية والتكيف داخل المنزل.

ويضيف: "وحسب الثقافة المعمول بها بعض السيدات يشعرن بالذنب لقلة وعيهن متطلبات الحياة وإدراكهن قواعد العلاقات الاجتماعية السليمة، مع أن الأصل ألا تشعر الزوجة بالذنب إلا في الجزئية المتعلقة بها في التربية داخل المنزل".

ويلفت أبو ركاب إلى أن العلاقات الأسرية قائمة على الأدوار التكاملية، ولا يجوز للزوج فرض شروط خارج التفاهم الأسري، ولا يجوز للزوجة أن ترضى بتكاليف تفوق طاقتها على التحمل، لأنها إن رضيت بذلك استحقت التأنيب.

ويتابع حديثه: "أيضًا في غالبية الأمر ارتكاب الأطفال بعض الأخطاء يكون دون وعي ونضج منهم، ولذلك يجب على الأم ألا تخجل من تصرفه أو من أسلوبها في التربية، وعلى الآباء الذين يفتخرون بإنجازات أبنائهم أن يتحملوا مسئولية أخطائهم أيضًا".

ويرى أبو ركاب أنه يجب على الزوجة العمل على دمج الزوج في التربية، وتغيير بعض المفاهيم الموجودة، خصوصًا أنها شريكة في التربية، ولا يمكن أن تتحمل العبء كاملًا، وعلى الزوج إدراك ذلك والاعتراف به.