"أنا مطمئن اليوم على حماس، فقد شكَّلت جيشًا قويًّا، وأقرّ الله عيني بصفقة وفاء الأحرار، وأتمنى أن ألقى ربي راضيًا مرضيًّا". هذه من أواخر كلمات القائد أبو محمد (أحمد الجعبري)، رئيس أركان كتائب القسام الذي استشهد في ١٤ نوفمبر ٢٠١٢م اغتيالًا بصاروخ من طائرة صهيونية، وكانت أمس الأحد الذكرى التاسعة لترجله عن صهوة القيادة، وعلى إثر عملية الاغتيال تفجرت معركة "حجارة السجيل" بحسب الاسم الذي أطلقته عليها حماس.
كان الجعبري رحمه الله قائدًا قوي الشخصية، صاحب همة وعزيمة، وله معرفة ودراية بالصراع، وبالشخصية الإسرائيلية، كيف لا وقد خبرها جيدًا في أثناء وجوده في السجن، وحين خرج منه بعد انتهاء محكوميته قرر العودة للعمل العسكري دون تردد، وكان على صلة وثيقة بالدكتور إبراهيم المقادمة وصلاح شحادة رحمهما الله، وقد اتخذهما له نموذجًا في العمل، والسلوك، وحب الدعوة الإسلامية.
لقد أهّلته ملكته الشخصية الذاتية والمكتسبة لأن يكون قائدًا عسكريًا مُطاعًا، وكانت قراءاته السياسية للصراع ولضرورة تطوير العمل العسكري قراءة جيدة وذات مغزى حقيقي، رغم أنه ليس له كتابات سياسية تشرح رؤيته، ولكن له أعمال جهادية ومشاركات على مستوى القيادة الشورية والتخصصية تنمّ عن خبرة متقدمة، تؤهله لمنصبه الذي كان يتولاه.
لقد ترك رحيله فراغًا ما في العمل القيادي التخصصي، ولكن من أشرف على إعدادهم وتدريبهم في حياته حلّوا محله وسدوا جلّ الفراغ الذي تركه رحيله، وهذه من صفات القائد الولود الذي يخلف قائدًا مثله قبل رحيله.
كانت صورته الأشهر في الصحافة تلك التي يقبض بها على ذراع شاليط في أثناء عملية تسليمه وتنفيذ صفقة وفاء الأحرار. كانت الصورة تحمل معاني الرجولة والقوة والشجاعة، بينما تحمل في المقابل صورة مذلة بشكل ما لحكومة تل أبيب، ويومها أدركت ومن خلال قراءتي للصورة أن حكومة الاحتلال ستقوم باغتياله في أقرب فرصة ممكنة، لتقتل النموذج الذي قدمته هذه الصورة المعتبرة وطنيًّا.
رحل القائد، بعد أن رزقه الله الشهادة ولا نزكيه على الله، وكان قد سعى لهذه المكرمة برجلية مقبلا غير مدبر، ونال بحمد الله مبتغاه، وندعو الله أن يتقبله وأن يرضى عنه. رحل وهو مطمئن لمن بعده، وشاكرا ربه على ما وفق في صفقة الأحرار، وهي صفقة مشرفة، وقد استفاد الجعبري وزميله مروان من خبرتهما في الشخصية الإسرائيلية، والحكومة الإسرائيلية في إدارة مفاوضات الصفقة، حتى تمكّنا من تحقيق هذا الإنجاز الكبير، وهو عمل ينسب لهما أولا ثم لمن شاركهم الرأي والإجراءات ثانيًا. رحم الله الجعبري وكل شهداء فلسطين.