بعد مرور ستة أشهر على انقضاء العدوان على غزة لا يزال الإسرائيليون يبحثون إنجازاتهم وإخفاقاتهم فيه، وسط تقديرات مفادها إمكانية العودة مجددًا لمواجهة مع المقاومة التي تسعى إلى فرض مطالبها على الاحتلال، مع العلم أن ذلك العدوان شكل تحولًا في تاريخ العدوانات الإسرائيلية، ليس في حجم آثاره التدميرية فحسب، ولا أعداد الشهداء، بل فيما يتعلق بالآثار السياسية من حيث إنشاء خط غزة-القدس، وتأثيراته العسكرية على صورة "الجيش الذي لا يقهر"!
وفي حين غلب على التغطية الإعلامية للعدوان على غزة آثار القصف والدمار والإبادة الإسرائيلية لعائلات كاملة؛ إن النصف الممتلئ الآخر من الكأس تمثل في مشاهد التراجع لقوات الاحتلال الغازية، أمام توسع أمداء صواريخ المقاومة.
لعل أهم النتائج الميدانية لهذه الحرب التي يحيي الإسرائيليون مرور ستة أشهر على اندلاعها الإقرار الذي لم يستطع قادة الجيش إنكاره، أن المقاومة على حدة الضربات التي تلقتها لم تنكسر، وحتى الدقيقة الأخيرة من القتال بقيت واقفة على قدميها، وتدير قتالها، ما دفع الاحتلال في حينه للإشارة إلى تراجع الأهداف الإسرائيلية، لأنهم رأوا عدم القدرة على تحقيق أهدافهم، فاستعاضوا عنها بهدف يرون أنهم قادرون على تحقيقه.
يمكن الاستنتاج من أيام الحرب العشرة الأخيرة جملة من النقاط، أهمها أن الاحتلال لا يريد، أو غير قادر على تحمل أثمان العمل البري في غزة، فلم توجد أساسًا مرحلة برية موجهة للأماكن المبنية في القطاع، لأن الدخول البري الجزئي ليس إلا دخولًا صوريًّا وشكليًّا، ما دام الجيش يواصل احتلال أراضٍ كانت خالية من الفلسطينيين، ولذلك أعلن في حينه فشل عملية "مترو حماس"، الخاصة بالأنفاق الحدودية.
ومع اليقين الكامل بأن موازين القوى بين المقاومة الاحتلال لا تكاد تذكر؛ بعض المشاهد التي خرجت من ساحة القتال أعطت مزيدًا من الثقة بأن هذا الجيش الذي سجل انتصارات كاسحة على جيوش عربية نظامية، وبات بقواته العسكرية، وإمكاناته اللوجستية، وترسانته التسليحية، أقوى بكثير من جيوش دول المنطقة مجتمعة، رافقه "عكسيًّا" تراجع في الإرادة والعزيمة اللتين تحركان كل هذه القوات والجنود، وهو ما شهدته مشارف غزة خلال أيام شهر رمضان المنصرم.
جاءت الأنباء "السيئة" في نظر الإسرائيليين بعد هذه الأشهر الستة على حرب غزة "أننا فشلنا"، وانتهت الحرب دون نصر، ودون أن تتمكن الحكومة حتى مجرد ادعاءه، ما تسبب بمشاكل داخلية لحكومة نتنياهو التي غيبتها الحرب عن الوجود، وأدت إلى تراجع الردع الإسرائيلي، والخلاصة بعد مرور هذه الأشهر الستة أن الاحتلال لم يربح، والمقاومة لم تخسر، الاحتلال لم ينتصر، والمقاومة كذلك لم تنكسر.