فلسطين أون لاين

فقد وزنه وزاد كرامةً

عياد الهريمي.. أسير لم يجتمع بإخوته على مائدة واحدة

...
عياد الهريمي (أرشيف)
غزة/ يحيى اليعقوبي:

في زنزانة صغيرة مساحتها 1.5م مربع، لا تصلح للعيش الآدمي، زجت سلطات الاحتلال بالأسير عياد جمال الهريمي (28 عامًا) في سجن "هشارون"، بعد أن نقلته من سجن "عوفر".

عياد الذي أسرته سلطات الاحتلال في السادس من إبريل/ نيسان 2021 وحولته للاعتقال الإداري دون أن توجه له أي اتهام، رفض أن يمضي فترة جديدة في الاعتقال الإداري بتلك الظروف ورفض إمضاء فترة اعتقال ثانية لا يعرف متى ستنتهي، فأعلن الإضراب عن الطعام قبل نحو 52 يومًا، يرقد على سرير عيادة سجن الرملة حيث يقبر الأسرى فيها أحياءً، هزيل الجسد يعاني صداعًا شديدًا انخفض وزنه لكنه زاد كرامةً في بحثه عن استرداد الحرية من أنياب السجن.

منذ إضرابه، لم يسمع والده جمال صوت ابنه الأسير، فالأخبار الواردة عنه شحيحة أو تكاد تكون شبه منقطعة تمامًا، لم يسمح الاحتلال للمحامين بزيارته إلا قبل أيام قليلة، "أخبرنا المحامي أن حالة عياد الصحية صعبة، لا يستطيع تحريك قدميه ويديه (..) نحن قلقون عليه لأن هذا الإضراب الثاني فقد خاض إضرابًا لمدة 58 يومًا عام 2017م ونخشى أن تتأثر صحته بسبب ذلك"، يتزاحم الخوف في صوت والده.

في إضرابه الأول قرر عياد وضع حدٍ للاعتقال الإداري المسلط على حياته، فما يلبث أن يتنفس عبق الحرية ويستعد للزواج حتى يعاد أسره من جديد، إذ أحكمت الاعتقالات على حياته وبلغت في مجموعها عشر سنوات، يتناوب فيها هو وإخوته الأربعة الذين لم يرهم والدهم يجتمعون على مائدة واحدةٍ طيلة حياته.

ما إن يودع والد عياد ابنًا داخل السجن، حتى يستقبل آخرًا، قبل أسبوعين وبعد سبع سنوات من الأسر أفرج الاحتلال عن ابنه أحمد، أما ابنه خليل فنال الحرية قبل ثمانية أشهر بعد ست سنوات أمضاها في سجون الاحتلال، وقبل أسبوعين أسر الاحتلال نجله الطفل يوسف (15 عامًا)، كثيرًا ما اجتمع على الأقل ثلاثة من أبنائه داخل سجن واحد وأحيانًا داخل الغرفةِ نفسها.

يقول الأب بقهر يعتمر صوته: "الواحد بكبر نفسي أفرح فيه وأزوجه؛ مجهزله شقته صارلي سنتين.. حارمينه الفرحة، وحارمينا نجتمع على مائدة واحدة ما بنقعدش مع بعض لا بأعياد ولا بأفراح أو أحزان".

ويضيف معبرًا عن قلقهم عليه، بأن أمه ساءت حالتها منذ لحظة إضرابه، "المشكلة الأخرى أنه لا يوجد اهتمام رسمي ومن مؤسسات الأسرى فلا نشعر بوجود اهتمام حقيقي في قضيته".

كل تفاصيل ولحظات الإضراب الأول عالقة بذاكرة الأب، إذ قرر عياد مواجهة الاحتلال بعدما مضى على أسره آنذاك ثلاث سنوات، كان يريد وضع حدٍ لهذا الأمر لأنه يريد أن يعيش والاحتلال لا يتركه وشأنه، فأضرب رفقة مجموعة من الأسرى، وأمام إصراره وتحمله للألم الذي سببه الإضراب رضخت سلطات سجون الاحتلال له وأبرمت تسوية معه انتزع فيها بأمعائه الخاوية حريته".

أفلتت منه ضحكة مكسورة وهو يعبر عن عمق الحزن الذي يسكنه: "والله يا ابني ما بلحق اشوفهم، ما بطلع واحد حتى برجع الثاني للسجن، أجت فترات كبيرة يكونون الثلاثة داخل الأسر".

كأي شاب يريد عياد تكوين أسرة، أن يتحرر من أغلال السجن وينفض عن حياته الملاحقة الإسرائيلية، "جهزت له بيتا منذ عامين حتى أزوجه، لكن لا يوجد فرصة لذلك".. يلخص ما يعيشه ابنه بكلمتين: "هذه مأساة".

هذه أحلام عياد

"أحلام ابني بسيطة، أن يعيش براحة واطمئنان وحرية وهذا مطلب كل إنسان. تخيل أن أول اعتقالاته بدأت عندما كان طفلا لا يتجاوز أربعة عشر عامًا ومنذ ذلك الحين يحقد الاحتلال عليه لأنه عنيد على الحق يرفض عيش الذل ويدافع عن فلسطين".

لم يزر والد عياد ابنه طوال فترات الأسر، وكذلك يمنع تحت وطأة "الرفض الأمني" من زيارة أبنائه، فيما يسمح الاحتلال أحيانًا للأم بزيارتهم.

أما حال العائلة فتمضي الأيام كما يقول الأب بين منع، واعتقال، وتفتيش، ومداهمة مستمرة تجعلهم حياتهم في حالة تأهب وتوتر دائم، وكأنه عقاب جماعي يمارسه الاحتلال على العائلة، "بهدف قهرنا وحرماننا من الاجتماع على مائدة واحدة".

ويضيف أن أمهم استطاعت أن تحتضنهم مرة واحدة في السجن، يومها كان هناك زيارة لأهالي الأسرى وفتح القسم لإدخال طفل صغير عند والده، نسي السجانون الباب مفتوحًا في لحظة لمح أبنائي الثلاثة أمهم قد وصلت للزيارة فخرجوا غير مكترثين بالعقوبة التي ستلحق بهم، وطال عناقهم.

تحمل عياد وطأة ستة أشهرٍ من الاعتقال الإداري، يريد الاعتقال وضعه في قفصٍ لستة أشهرٍ أخرى، يكافح بأمعائه الخاوية لكسر بوابة قفص السجن إلى أبواب الحرية؛ يخوض إضرابًا ثانيًا وهو سلاح الأسرى الوحيد والقاسي لانتزاع حريتهم، يخوض معركته مع الجوع والعطش يتحمل خلالها كل أنواع لألم في سبيل تحقيق مطلبه العادل بالحرية.