فلسطين أون لاين

حد السيف.. ماذا خسرت (إسرائيل)؟

 

عندما تسللت القوة الأمنية الصهيونية التابعة لسرية "سيرت متكال" إلى قطاع غزة، لم تدرك عقول قادتها، ولا قادة الاحتلال السياسيين حجم الخسائر الذي ترتب على ما جرى عشية ذلك اليوم 11/11/2018م، إذ اشتبه عدد من أفراد المقاومة الصهيونية بمجموعة أفراد، تبين لاحقًا أنهم قوة صهيونية خاصة، وقد اعترف العدو على لسان رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تامير هيمان، بفشل العملية، واصفًا لحظة الحدث بأنها: "كانت ثلاث دقائق صعبة جدًّا، ولم تنتهِ إلا عندما أُبلغ أنهم عبروا الحدود".

أما عن الخسائر التي منيت بها دولة الكيان الإسرائيلي نتيجة هذا الفشل، فقد تمثلت في كشف أفراد هذه الوحدة، إذ نشرت المقاومة صورهم، ومعلومات تفصيلية عنهم، جعلت من المستحيل عليهم العودة إلى ممارسة عملهم الأمني في أي دولة خارج الكيان، وتلك خسارة كبيرة للكيان بالنظر إلى حجم التدريب الذي بُذل لمنحهم تلك القدرات الواسعة، لكن الأكثر خطرًا على الكيان هو كشف طريقة عمل هذه الوحدة.

إذ بات من المعروف كيف يتدربون، وكيف يتحركون، وكيف يمتلكون القدرة على الذوبان في المجتمعات التي يعملون فيها، وأين يمكن أن يسكنوا، والمنهجيات التي يتبعونها عند الانتقال من مكان لآخر، وكيف يخفون أسلحتهم، وكل هذه الأسئلة مهمة، وقد بذل الاحتلال جهدًا كبيرًا للوصول إلى إجابات لها، والتدرب عليها، وهو مضطر لبذل جهد كبير لابتكار آليات عمل جديدة، والتدرب عليها.

كما أن من خسائر الاحتلال اقتناع الناس عمليًّا بوجود مثل هذه المجموعة، فكثير من سكان قطاع غزة، لو تم إخباره -قبل تلك العملية- بوجود قوة أمنية خاصة داخل حدود القطاع، ما كان أن يتصورها بهذا الشكل، بل إن كثيرين لن يقتنع أساسًا بقدرة الاحتلال على المغامرة بإدخال مثل هذه الوحدة إلى القطاع، هذه القضية جعلت استحضار خطر الوحدات الصهيونية الخاصة فاعلًا وقويًّا؛ في كل ساحة يمكن أن يعمل بها الكيان الصهيوني، وهو ما يُعقد كثيرًا من عمل هذه الوحدة.

فلا شك أن حالة الاشتباه ستزداد بأي سلوك مريب، ليس لدى رجال الأمن فحسب، بل لدى جموع المواطنين، فالشك في كل من يأتي لاستئجار بيت أو "شاليه" خاص، سيكون حاضرًا عند أي سلوك غير عادي، وهو ما يجري لو سأل غريب عن عنوان ما، أو دخل إلى سوبر ماركت بطريقة مريبة، كل هذا يرفع من مستوى الحذر ويعقد -مستقبلًا- عمل مثل هذه الوحدة.

كما أن هذه العملية عززت روح الاستنفار الأمني لدى العاملين في مجال المقاومة، وهو ما يجعلهم أكثر تنبهًا، سواء عند حراسة المواقع الحساسة، أو مراقبة أي سلوك غريب، كما أن العملية ستدفعهم للتعامل بطريقة أكثر حزمًا مع أي مشبوهين، فغالب الظن أن فريق المقاومة الذي أوقف الوحدة لم يخطر بباله أنهم قوات خاصة، وإلا لتم اعتقالهم أو قتلهم -في حال الاشتباك- بسرعة، وبطريقة أكثر مهنية، وإنني أتوقع أن يكون السؤال المتعلق بكيفية التعامل مع أي حالة اشتباه مماثلة، قد طرحته المقاومة على نفسها، وهو ما يجعل نجاة مثل هذه الوحدة أكثر صعوبة في حال وقوعها في مثل ذلك الظرف مرة أخرى.

كما أن كشف هذه الوحدة ساهم في تعزيز روح الحذر والاستنفار الأمني بشكل عام، ما سيعقد أي أعمال أمنية أخرى للعدو، وهو ما سينعكس بشكل سلبي على عمل العملاء وتحركاتهم، وسيجعل المقاومة أكثر حرصا وهي تفحص بشكل دوري كل المواقع أو الأدوات التي يمكن أن يمس بها العدو كالاتصالات أو الأنفاق أو الشخصيات القيادية، وكل هذا مضر جدا دون شك بعمل العدو أمنيًّا.

ومن خسائر الاحتلال أيضًا أن الحادث قد مس كثيرًا بالروح المعنوية لسرية "سيرت متكال"، التي لم تُكشف من قبل في أي بلد، وهو ما ضرب في العمق قناعتها بتفوقها النوعي، وتفوق أساليبها، كما يزيد من شعور أي جندي يعمل فيها بالخوف من القتل أو الوقوع في الأسر، وهو قضية مهمة في وجدان أي جندي إسرائيلي، إذ بات واضحا خوف الكيان من أي مواجهة برية، قد يخسر فيها جنوده، والخوف من الأسر سيكون حاضرًا خاصة عندما نرى أن بعض جنود العدو الأسرى يكملون اليوم عامهم السابع دون أن تبادر حكومة الاحتلال لإطلاق سراحهم.

كما أن العملية شككت بشكل كبير في التفوق الأمني الصهيوني، وبينت أنهم في النهاية بشر، قد يقعون في كثير من الأخطاء، وأن شيئا من النباهة والحذر كفيل بإيقاع العدو في معضلة كبيرة، كما أن هذه العملية ستساهم في تحجيم قدرة صانع القرار الصهيوني على استخدام هذه الوحدة، وذلك للمخاطر الكبيرة المرافقة لاستخدامها من الناحية السياسية، ولنا أن نتخيل النتائج التي كان من الممكن أن تنعكس على حكومة الاحتلال في حال قتل أفراد تلك الوحدة، أو أسرهم، بل ما كان لنتائج ذلك أن تقتصر على الحكومة سياسيًّا، وإنما كانت ربما ستورط الكيان ككل في أعمال خطيرة، كأن تجبره على دفع عدد كبير من القوات البرية داخل قطاع غزة، وهو ما كان سيزيد من المخاطر بشكل كبير، وتدفع الكيان نحو حرب في توقيت لا يرغب به.

كل تلك الخسائر ما كانت لتحدث لولا ما بذله رجال المقاومة من جهد كبير، وما تمتعوا به من حذر ويقظة.