قبل الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، كانت تحيط بمدن قطاع غزة ومخيماتها غابة من الأشجار، ولا سيما في المنطقة الغربية من جنوب دير البلح وحتى رفح، حيث كانت الكثبان الرملية مغطاة بطبقة خضراء من شجرة الأحراش، كانت المنطقة الخضراء متنفسًا للناس، ومصدر رزق للأغنام، وتوفر الحطب لبعض العائلات، وتوفر ملاذًا للفدائيين في أوقات محاصرة المدن، وفرض الجيش الإسرائيلي نظام منع التجول.
بعد عشرة أعوام من الاحتلال، مُسِحت تلك المنطقة الخضراء من قبل المستوطنين الصهاينة، الذين حاصروا مدن ومخيمات قطاع غزة بالمستوطنات، وزرعوا المنطقة بالخيار والبندورة والبطاطس، التي أطعمت الصهاينة حتى الانسحاب الإسرائيلي من غزة سنة 2005، ومن تاريخه وحتى اليوم، والمنطقة تستثمر في الزراعة والتمدد العمراني، ولا إمكانية لعودتها منطقة خضراء كما كانت، ولا يوجد في كل قطاع غزة بدائل شجرية لتلك المنطقة إلا في الشوارع، وما توفر من مساحات خالية داخل الأحياء، وهنا تقع المسؤولية على ثلاث جهات:
الأولى: البلديات والمجالس القروية، وللحق فقد اجتهدوا في توفير أشجار الزينة، وأدرجت زراعة الأرصفة في الشوارع ضمن المشاريع المقدمة للمانحين، وقد تم توفير الحمايات للأشتال، وحرصت البلديات على ري الأشجار بانتظام، ومع ذلك امتدت أيدي التخريب على أشجار الشوارع، وتم قطعها بشكل متعمد أو غبي، وأحياناً، سرقت الحماية لتباع بثمن بخس.
الثانية: وزارة الزراعة، وقد حرصت على توفير مئات آلاف الأشجار في كل عام، ومدت يد العون لكل مؤسسة أو جهة فكرت بزراعة رصيف أو حديقة في مؤسسة، واهتمت الوزارة في توفير ما تحتاجه المدن من أشجار الشوارع، ورغم الجهد، والحرص، لم تنجح الوزارة في تشجير وتخضير الكثير من المناطق، فالمواطن لا يتعاون، والمخربون لأشجار الشوارع أسوأ صنعاً من المستوطنين الصهاينة الذين سحقوا المنطقة الخضراء.
الثالثة: المواطن، وهو المستهدف بالانتفاع من الشجرة، وهو الذي يحتاجها أمام بيته، وفي الجزيرة بين شارعين، وفي الرصيف، وفي محيط المدرسة والمستشفى والجامعة، المواطن الذي يجب أن يرتقي بالوعي حتى يدرك أن هذه الشجرة التي زرعتها البلدية، ورعتها وزارة الزراعة هي ملكه هو، هذه الشجرة تخص كل مواطن، وتخص زوجته وتنعش أولاده، وأنه بحاجة ليتنفس الأكسجين من وجودها، وأنه من يستظل بها، ومن يمتع نظره بجمالها.
المواطن الفلسطيني في قطاع غزة بحاجة إلى ثقافة الشجرة، وبئس من قال: الشجرة غير المثمرة حلال قطعها، بل العكس من ذلك، فقد تكون الشجرة غير المثمرة أكثر نفعاً من الشجرة المثمرة، لأن الجميل وفق الفلسفة هو النافع، فإذا كانت الشجرة المثمرة نافعة لصاحبها، وبعض الناس، فإن الشجرة غير المثمرة نافعة لكل الناس، وهي بالفعل ملك لكل الناس.
الشجرة في غزة بحاجة إلى وزارة الأوقاف، ليتحدث الخطباء في المساجد عن ضرورة الحفاظ عليها، والشجرة في غزة بحاجة إلى وزارة التربية والتعليم، كي لا تعطي المحاضرات والدروس للطلاب عن أهمية الشجرة، وإنما كي تنظم أنشطة ميدانية، يشارك فيها طلاب كل فصل، في التوجه مع المدرس إلى الحارة، وإلى الشارع، وممارسة زراعة الأشجار باسم المدرسة، أو باسم الفصل، ويكلف الطلاب أنفسهم بريها، ورعايتها، فهي تحمل اسم فصلهم.
مجال الإبداع في كيفية نشر ثقافة الشجرة واسع، وبإمكان وزارة الزراعة مع البلديات ومنظمات المجتمع المدني تنظيم ورشات عمل حول كيفية نشر ثقافة الشجرة بين المواطنين، بحيث يقف الطالب وعابر الطريق والشرطي والموظف والمرأة والرجل في وجه كل عابث بالشجرة، يدافعون عنها وكأنها ملكهم الخاص، يحافظن عليها لأنها وجه مدينتهم الأخضر.