تطوران لافتان تحدثت عنهما أوساط سياسية إسرائيلية، أولهما وجود مساعٍ أمريكية لتشكيل حكومة فلسطينية تضم وزراء من مختلف الفصائل، لأسباب عديدة، وثانيهما يتعلق بتسريبات حول إمكانية استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بعد انقطاع لسبع سنوات، رغم التركيبة الصعبة للحكومة الإسرائيلية التي قد تحول دون انطلاقها.
في حال صحت هذه التسريبات، فهما مرتبطان ببعضهما، رغم أن الآمال بنجاح تحققهما أمر ليس في متناول اليد، سواء بسبب انشغال الإدارة الأمريكية بملفات إقليمية ودولية تجعل من الملف الفلسطيني الإسرائيلي لا يتصدر اهتماماتها، أو لأن التشكيلة الحكومية الإسرائيلية، لا سيما رئيسها، لا تدفع باتجاه إنجاح تلك التسريبات، فضلا عن وضعية السلطة الحالية التي تعاني أزمات سياسية وأمنية واقتصادية.
رغم كل ما تقدم، فإن السياسي لا يستبعد تحقق أي خيار، حتى لو بدت كوابحه أكثر من حوافزه، لا سيما وأن الذاكرة الجمعية الفلسطينية والإسرائيلية مزدحمة بتطورات مفاجئة لم يكن لها رصيد كبير من الواقع، لكنها بقدرة قادر أصبحت أمرا واقعا، وبالتالي فإن التغذية الراجعة من هذه التسريبات، وإن كانت في طور جس نبض مختلف الأطراف، لكنها تستدعي إخضاعها للبحث والتحليل، وقاعدة الفرص والتهديدات.
لعل التطور الأول المتعلق بتشكيل حكومة وحدة فلسطينية تجمع أطياف العمل السياسي الفلسطيني حظي بكثير من النقاش الداخلي، والإقليمي والدولي، وبضمن ذلك الإسرائيلي، وفي كل مرة كان الفلسطينيون يصطدمون بالاشتراطات الإسرائيلية والأمريكية تحديدا، والجديد فيها أنها أصبحت شروطا تعلنها السلطة الفلسطينية أيضا، وتتعلق بالتزام أي حكومة فلسطينية بالاتفاقات الموقعة مع الاحتلال، ونبذ "العنف"، والاعتراف بالقرارات الدولية.
دائما ما قطعت هذه الشروط الطريق أمام أي محاولات فلسطينية جادة لإنجاز هذا الهدف، الذي لم يعد يحتل أولوية لدى معظم القوى السياسية، على اعتبار أنه متأخر في سلم أولوياتها، لأن الأهم بنظرها إنجاز الوحدة الوطنية عبر بوابة الإطار القيادي لمنظمة التحرير، وليس الحكومة.
في الوقت ذاته، ليس متوقعا لهذه الحكومة التي تدعو إليها واشنطن، ولم يصدر بعد موقف إسرائيلي بشأنها أن تمارس مهامها بأريحية، خاصة في الضفة الغربية، بمنأى عن انتهاكات الاحتلال التعسفية ضد الفلسطينيين، ولا أظن أن الحكومة ذاتها ستكون بمنأى عنها، وهو ما تكرر معها منذ إنشاء السلطة الفلسطينية ذاتها قبل قرابة ثلاثة عقود.
أما التطور الثاني المتعلق بإمكانية الشروع مجددا بمفاوضات سياسية، فهذا لعمري من المضحك المبكي، خاصة وأننا أمام حكومة استلمت إرثا ثقيل العيار من الاستيطان، وفرض الحقائق على الأرض، وتهويد القدس والضفة الغربية، ولم تبقي فيه على شيء يستحق التفاوض، إلا إذا كان المقصود الإبقاء على التفاوض كعملية إجرائية فقط، دون تحقيق نتائج حقيقية، حينها تكون الطامة الكبرى، إن وافق الفلسطينيون عليها!