رغم فارق السنوات بين معركة "حدِّ السيف" شرق مدينة خان يونس، ومعركة "سيف القدس" بين المقاومة وجيش الاحتلال في مايو/ أيار الماضي، إلا أن الحدثيْن شكلا نقطتين فارقتين في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، استطاع الجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام، خلالها تلقين جيش الاحتلال واستخباراته دروسًا لن ينساها، كما يؤكد مراقبان.
في مثل هذا اليوم من عام 2019، كشفت القسام قوة خاصة إسرائيلية قوامها 16 عنصرًا من نساء ورجال مسلحين ومجهزين بأجهزة استخبارية متطورة، كانت قد تسللت لغزة عبر السياج الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلة سنة 1948.
واستطاع جنود القسام آنذاك التصدي للقوة الإسرائيلية الخاصة وقتل قائدها وإصابة آخرين، في معركة اندلعت شرق خان يونس وشارك فيها الطيران الحربي للتغطية على القوة وانسحابها تحت نيران القسام، وأطلقت عليها منذ حينه اسم "حد السيف".
وكان الهدف من تسلل القوة الخاصة لغزة، استهداف مقدرات المقاومة، لكنها فشلت في ذلك وسيطر القسام على أجهزة إسرائيلية وصفها رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في حينه؛ بأنها "كنز استخباري".
مضت أعوام قبل أن تتطور الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وخاصة مدينة القدس وما تلته أحيائها وخاصة الشيخ جراح الذي يتعرض لحملة تهجير تخوضها محاكم الاحتلال وأجهزته القضائية، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة كان منها ردّ المقاومة بغزة على قصف "تل أبيب"، واندلعت بعدها معركة استمرت 11 يومًا.
ويقارن المختص في الشؤون الأمنية د.ناجي البطة، بين المعركتين "حد السيف" و"سيف القدس"، ويؤكد أن الأولى تميزت بأنها أمنية، أما الثانية فقد كانت عسكرية بالدرجة الأولى.
وقال البطة لصحيفة "فلسطين": إن معركة حد السيف لم تكن تقليدية بل جديدة على المستوى الأمني "الصهيوني"، باعتبار أن وحدة (سييرت متكال) الأكثر تميزًا في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، قد تعثرت بغزة على يد القسام وكُشفت.
ويؤكد البطة أن جنود هذه الوحدة الخاصة ذائعة الصيت على المستوى الاستخباري، كانت تصول وتجول في دول وأقاليم محيطة بنا، لكن للمرة الأولى يتعرض عناصرها للتوقيف والاشتباك معهم، وكان ذلك بغزة على يد قوة من القسام.
وذكَّر المختص في الشؤون الأمنية بتصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال حينذاك، غادي أيزنكوت، حيث أبدى مخاوفه مما هو أصعب من كشف عناصر الوحدة ومحاصرتها في خان يونس، وقال إنه لا يستطيع تخيل ما الذي سيحصل لو وقعت الوحدة في أيدي المسلحين.
وأضاف: أن "معركة حد السيف كانت الأخطر في تاريخ كيان الاحتلال، على اعتبار أنها المرة الأولى التي يتم توقيف وحدة خاصة من نخبة النخبة والتحقيق والاشتباك معها، ولا يوجد وحدة في جيش الاحتلال تضاهي هذه الوحدة فيما يتوفر لديها من إمكانيات عسكرية وتكنولوجية وخبرة أمنية وعسكرية".
أما فيما يتعلق بمعركة سيف القدس، فيؤكد البطة أنها خرجت عن إطار المعارك السابقة، وأعلنت المقاومة من خلالها أنها ليست منغلقة على نفسها بل تتبنى الشأن الفلسطيني كله وخاصة المسجد الأقصى والقدس.
وأضاف: "معركة سيف القدس شكلت نقلة نوعية في طبيعة المواجهة مع العدو الصهيوني".
وشدَّد على ضرورة أن تكون المقاومة على أهبة الاستعداد للتصدي لأي اختراق أمني محتمل.
وتابع: يجب أن يكون هناك مزيد من الإعداد والتحفيز لتحصين للجبهة الداخلية من الاختراق من قبل أجهزة الأمن الصهيونية سواء كانت أمنية أو عسكرية إسرائيلية.
من جهته، قال الخبير في الشؤون الأمنية والاستخبارية محمد لافي: إن معركة حد السيف استخبارية وليست عسكرية، تعد في ميزان العمل الاستخباري الإسرائيلي من العمليات الناجحة بعد إفشالها من القسام بالطريقة التي تمت أمام العالم.
وأكد لافي لصحيفة "فلسطين"، أن كشف وحدة (سييرت ميتكال) شكّل فشلًا استخباريًّا ذريعًا تخللته عملية ملاحقة ميدانية، وهذا يدل على مدى ترابط العمل الاستخباري للمقاومة بين المصادر الميدانية، الأمر الذي أجبر القوة الإسرائيلية على الخروج من غزة بطريقة أمنية وتركوا بياناتهم ومتعلقات عملهم الاستخباري التي استفادت منها القسام على أكثر من صعيد.
وشدَّد على أن المقاومة استطاعت كسر هيبة مخابرات الاحتلال التي تروج صورة نمطية حول العالم، وقد استطاعت المقاومة الاستفادة لاحقًا من معداتها الاستخبارية، حتى أنها قطعت الطريق أمام الاحتلال بالتفكير مرة ثانية بإرسال قوات خاصة لغزة.
وأكد أن توظيف العمل الاستخباراتي المباشر في الميدان تجلى بشكل واضح في معركة سيف القدس.
وشدَّد على أن الشعب الفلسطيني يجب أن يكون صاحب ثقافة أمنية مقاومة، لأن العمل الاستخباراتي للاحتلال لا ينتظر لحظة حضور عنصر المقاومة في الميدان، وإنما العكس، وهو يتربص للحظة لا يوجد فيها عنصر مقاومة ليستغل الظروف وينفذ مهامه، سواء من خلال جنوده مباشره كما حصل شرق خان يونس، أو من خلال عملاء ومتخابرين.