بصعوبة بالغة استطاعت حكومة الاحتلال الحصول على أغلبية ضئيلة لإقرار الموازنة العامة بعد إرجاء دام أكثر من ثلاث سنوات، وهو ما لم تشهده منذ عقود طويلة، لكن الإرباك الذي شاب عمل الساحة السياسية والحزبية، وجولات الانتخابات المبكرة بين حين وآخر ساهمت بصورة لا تخطئها العين في إحداث شلل كبير في المؤسسات البرلمانية والمالية والقانونية، الأمر الذي أسفر في النهاية عن تجميد عمل معظمها بانتظار استقرار الحكومة الذي طال أمده، ولم يتحقق إلا بالإطاحة ببنيامين نتنياهو.
اليوم، وبعد أن أعلنت الحكومة الحالية انتزاع إقرار الموازنة، يمكن لوزرائها تنفس الصعداء، وأخذ استراحة محارب، والتقاط أنفاسهم، دون أن يعني ذلك أن الطريق أمامهم باتت معبدة حتى انتهاء ولايتها في 2025، فهذا حلم بعيد المنال، وقليل من الإسرائيليين من يعتقدون أن هذا سيناريو قابل للتحقق، في ظل الاستقطابات والتجاذبات التي تعيشها الحكومة ذاتها، بسبب عدم الانسجام بين مكوناتها، ووجود خلافات وتباينات مهمة وأساسية.
على الرغم من ذلك، فما دام شبح نتنياهو يطارد نفتالي بينيت ويائير لابيد وأفيغدور ليبرمان وغدعون ساعر، فإن التماسك سيشكل السمة الأساسية لهم جميعا، وهم على استعداد لترحيل كل خلافاتهم إلى إشعار آخر، إلا إن غاب عدوهم اللدود من المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي، سواء بسبب إجراءات محاكمته، أو نتائج الحراك الداخلي الذي يشهده الليكود حول التحضير للانتخابات الداخلية، ورغبة منافسين له بقيادة الحزب خلفا له، تحت شعار أنه آن الأوان لتغيير القيادة، التي يتهمونها، وتحديدا نتنياهو، بإضاعة السلطة من معسكر اليمين.
بانتظار ذلك السيناريو، وبغض النظر عن توقيت حدوثه، فمن المتوقع أن تشهد الحكومة الحالية إدارة هادئة لخلافاتها الداخلية، إلا إذا صعدت على السطح إشكالات ذات طابع سياسي يصعب على رئاسة الحكومة ووزرائها القفز عنها، وتحديدا ما يتعلق باستئناف المشاريع الاستيطانية من جهة، والضغوط الأمريكية التي باتت تتزايد بشأن إعادة فتح القنصلية في شرقي القدس، فضلا عن مسائل داخلية إسرائيلية، لا تهم كثيرا القارئ العربي، لكنها تحظى باهتمام الإسرائيليين، وتدور حولها تباينات أساسية بين مكونات الحكومة.
في الوقت ذاته تبدي أوساط حكومية إسرائيلية، ولا سيما حزب ميرتس ووزير الحرب بيني غانتس، فضلا عن القائمة العربية، خروجا نسبيا عن النص الحكومي المتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين، ولا سيما في ضوء اللقاءات المتكررة التي يعقدونها مع السلطة الفلسطينية، سواء بغرض استئناف مسار سياسي، ما زال صعبا في ظل الظروف الموضوعية والذاتية، أو رغبتهم بأن يحافظوا على مسافة آمنة من مكونات الحكومة اليمينية، تحضيرا لانتخابات قادمة، كي لا يتهموا بالذوبان في برنامجها اليميني تجاه الفلسطينيين، أو التماهي في مخططاتهم الاستيطانية، دون أن يتسبب هذا الاختلاف في دق مسمار آخر في نعش الحكومة الحالية.