فلسطين أون لاين

سوق قوي ينافس الجديد

تقرير الأثاث المستعمل.. أن تبيع فِراشك لتُطعم وتُداوي أطفالك!

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

في اللحظة الأخيرة عدل محمد الدهشان عن فكرة الهجرة، بعدما حزم حقائبه وباع أثاث بيته كاملًا وكذلك متجره لبيع المواد الغذائية، فاضطر للبحث عن أثاث جديدٍ، ومنحه ذلك فرصة للتعرف إلى تجارة الأثاث المستخدم، فدخل هذا الحقل.

ولأن الدهشان لا يملك ثمن استئجار مخزن لعرض الأثاث الذي يشتريه، خصص مساحة من شقته المستأجرة لترويج وبيع غرف النوم وأطقم الكنب عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وكذلك لتلقي عروض الشراء.

في غزة تنشط منذ أكثر من عقد تجارة الأثاث المستعمل، والتي كانت مدفوعة سابقًا برغبة المواطنين بتجديد أثاث منازلهم، أما اليوم فبات ضيق الحال دافعًا أساسيًّا من أجل توفير لقمة العيش أو العلاج أو السفر.

سوق قوي

بالعودة إلى الدهشان، يعدد أسبابًا تدفع بالمواطنين لبيع أثاث منازلهم، على رأسها الضائقة المالية أو الاغتراب، وحالات قليلة ترغب بالتجديد أو للعلاج، "لكن من خلال تجربتي في هذا المجال منذ ثلاثة أعوام لاحظت أن سوق تجارة الأثاث المستخدم أسرع وأقوى في البيع من تجارة الأثاث الجديد".

يقول لصحيفة "فلسطين": "الناس تبحث عن أسعار تقل عن ألف شيقل، وهذا قد لا يتوفر، إذ حينما نشتري الطقم نعمل على تجديده بتغيير الأقمشة أو الطلاء، وحين نبيعه نراعي تكلفة النقل والصيانة والشراء وغالبًا ما يكون الربح بسيطًا".

يشاهد الدهشان والعديد ممن يعملون في تجارة الأثاث المستخدم معاناة الناس من كثب، مستذكرًا تلقيه اتصالًا من عائلة استمرت يومها السيدة بالضغط عليَّ لزيادة المبلغ 200 شيقل عن المبلغ المتفق عليه، وحينما رفضت أبلغتني بأن المبلغ كله سيذهب ثمنًا لعملية جراحية سيجريها طفلها، "صدمت، وقمت بشرائه".

يلمس الدهشان إقبالًا كبيرًا على البيع والشراء، إذ يستقبل يوميًّا عبر مواقع التواصل عشرات الاتصالات أغلبها تستعلم عن الأسعار، وقرابة حالة واحدة تريد البيع الجدي.

وإذ يعتمد محمد في المعاينة الأولية للأثاث على الصور، فإن عملية الشراء والاتفاق مع الزبون لا يتم قبل مشاهدة الأثاث على أرض الواقع.

في شارع الصحابة بحي الدرج بمدينة غزة، تنتشر العديد من المعارض المكتظة بالأثاث المستخدم وبعضه جديد.

في معرض "الحلو" الذي يمتلئ بغرف النوم فقط قد تختلط عليك الأمور وتعتقد أنها جديدة بالنظر إلى مظهرها وجودتها، ولا تبعد أسباب بيعها عن الثلاثة التي ذكرها الدهشان.

تبلغ مساحة المعرض 40 مترًا، مجهز بغرف نوم متعددة ذات جودة عالية، لكن قبل العرض تمر بمرحلة صيانة. يشير إياد إلى إحداها بعدما أوكل مهمة متابعة صيانتها لشقيقه: "هذه الغرف يكون أصحابها قد اشتروها بحوالي ثمانية آلاف شيقل وأسعار مرتفعة لكننا نشتريها بنحو ألفي إلى ثلاثة آلاف شيقل حسب جودته".

ويوضح أن الصيانة تشمل إصلاح الخدوش واستبدال الألواح المكسرة وتغيير الأقفال وتجديد الطلاء، وهذه مرحلة متعبة لا يشعر بها المشتري لكنه يشتري غرفة بجودة عالية سعرها من ألفين إلى ثلاثة آلاف شيقل، حسب نوعية الخشب وجودة الغرفة وتكلفة إعادة صيانتها".

ويلفت إياد إلى أن هذه الغرف تستقطب الشبان المقبلين على الزواج بفعل الضائقة المالية وتعطل الكثير منهم عن العمل، "وفي الغالب يأتي العروسان معًا لمعاينة الغرفة".

قبل أربعة شهور جاءت إلى المعرض سيدة تريد بيع كامل أثاث بيتها بعد وفاة زوجها، وحين سألتها عن السبب، أخبرت أنها مستفيدة من الشؤون الاجتماعية وبسبب تأخر صرف المستحقات المالية وصرفها كل ستة أشهرٍ، ضاق بهم الحال ولم تعد تجد قوت يومها، "ووجدت أنها يمكن أن تستغني عن الأثاث لأجل إطعام أولادها".

في قصة أخرى، جاءه شاب لبيع غرفة نومه بعد تعطله عن العمل والتزامه بسداد ديون شهرية، وإلا سيكون تحت سيف تنفيذ أمر الحبس الصادر بحقه.

يقول إياد، إنه يشتري الكثير من الأثاث بسبب وجود أوامر حبس على ذمم مالية للشباب، وهنا يقف أمام شخص مضطر للبيت لكنه "لا يبخس بل تغلبه الرحمة".

على مقربة من معرض الحلو، يتكدس محل أبو خليل جندية بالأثاث المستخدم والذي تنوع بين غرفة نوم ومقاعد ضيافة بأشكال وأنواع مختلفة، وطاولات سفرة، وخزائن ملابس وأخرى للأحذية، يقر أيضًا أن "إقبال الزبائن الأكثر يتعلق بغرف النوم، أما بقية الأثاث فتكاد تباع برأس مالها بانتظار تحسن الأحوال وإقبال الناس على شرائها".

يعتقد جندية في حديثه لـ"فلسطين" أن "ضيق الحال والأوضاع الاقتصادية الصعبة، تدفع الناس لشراء أثاث مستخدم، وهذه الظروف تمثل فرصة لإقناع أهل العروس بشراء غرف نوم مستعملة، لكن في حالات عديدة قد ترفض العروس شراء الغرفة وحتى وإن بدت جديدة".

ويلفت إلى يخسر المواطن يخسر الثلث عند بيع أثاثه، ويستفيد منه مواطن آخر يبحث عن سعر أقل، وتتحقق لنا فائدة ربحية مقبولة بعد تجديده.