لإعادة الألق للحكايا التراثية، يجتمع الحكواتية من الأردن وفلسطين ومصر، في عمان حيث يقام مهرجان الحكايا في دورته الرابعة عشرة، يقدمون ما في جعبتهم من حكايات شعبية، وشخصية، وخرافية، يحاولون إحياء الحكايات الشفوية المعرضة للاندثار وإنعاش الذاكرة من خلالها.
يحمل الحكواتية الفلسطينيون منهم أمانة المحافظة على إرث حكايا الناس، ويخوضون معارك لأجلها على جبهات الذاكرة والهوية، يروونها لتبقى متداولة وعالقة في أذهان الناس حتى لا يفقدون الذاكرة في ظل احتلال يزيف كل ما هو فلسطيني من كوفية وثوب مطرز إلى طبق الحمص، وقرص الفلافل الشعبي.
الذاكرة الجمعية
سالي شلبية، عضو مهرجان حكايا الذي حمل هذا العام شعار "نروي الحكايا حتى نرى الشمس دون قضبان"، تمتهن رواية الحكاية من 2013م. تجوب فلسطين والبلدان العربية والعالم لتمتع الناس بحكايا الموروث الشعبي، وتنبش في ذاكرتهم حكايات سردت منذ مئات السنين، وقليل منها قد وثقته الكتب.
سالي أو كما تحب أن تلقب "شلبية الحكواتية" تقدم برفقة العديد من الحكواتيين من مصر وفلسطين والأردن ولبنان، قصصًا واقعية تحكي عن الموروث الشعبي في بلاد الشام.
تبين شلبية التي تنحدر من مدينة طولكرم أن المهرجان يعمل على إعادة مركزية القصة للناس والمجتمع، وله نسخة رقمية، وعروض وجاهية تقام في جميع المدن الأردنية.
توضح لـ"فلسطين" أن مهرجان حكايا يحاول إرجاع الذاكرة الجمعية لناس بسرد قصص تراثية، أو على لسان أشخاص عاشوها أيام النكبة والهجرة وما قبلها.
مهنتها كحكواتية بدأت حينما شاركت عام 2005 في نادٍ للخطابة، إذ أرادت أن تكسر خجلها. لم تعجبها الخطابة التي تقول إن العقل هو من ينطق بها، بخلاف الحكاية التي ترويها من القلب تعيش معها الحدث بكل تفصيلاته، لتترك عملها في فن الخطابة عام 2013، لتغدو "شلبية الحكواتية".
تقول: "القصص ليست مجرد ذاكرة جمعية، بل هي جزء من الصمود والمقاومة ضد المحتل، ولا يمكن أن يروي غيرنا قصصنا نحن الفلسطينيين".
تنقّل المهرجان هذا العام في أربع محافظات رئيسة داخل الأردن هي: عمّان، وإربد، والمفرق، ومأدبا، ويستضيف حكّائين/ات وفنانين/ات وباحثين/ات وكتّابًا من الأردن والوطن العربي من بينهم وئام الخوص (سوريا) ونمر سلمون (إسبانيا/سوريا)، وحمزة العقرباوي ونقولا زرينة وهبة سعيدة (فلسطين)، وخالد النعنع وسليم السوسي (لبنان)، وبهاء طلبة (مصر)، وسالي شلبي وفيصل العزة ويزن مصاروة ويزن أبو سليم وصفاء عباسي (الأردن).
وتضيف شلبية: "الخطاب لا يجدي نفعًا أن يكون سياسيًّا ووطنيًّا فقط، على حين تعبر الحكايات عن الحياة في فلسطين أكثر، وهي أكثر صمودًا ومقاومة من كل الخطابات، فحينما نتحدث عن تاريخنا وأفكارنا بالقصص يكون الحديث من القلب للقلب وبه نغذي أرواحنا".
وتلفت إلى أن الحكايا المروية عن التراث السوري والفلسطيني والأردني والمصري والعالمي، والحكايات الخيالية المستوحاة من الواقع، وأخرى حقيقية تفوق الخيال، "تربي الأمل في الأجيال، وتساعدنا على تخيل المستقبل الذي نريد".
ويستضيف المهرجان أيضًا تجربة حكاية أجزاء من سيرة الظاهر بيبرس -الرواية الشامية بأصوات مجموعة من الحكواتيين من فلسطين والأردن وسوريا، ليحكوا قصصًا ومغامرات تناقلها- وألّف بعضها الحكواتيون عبر مئات السنين في المشرق العربي.
وتستقي شلبية الحكواتية قصصها من الحكايا الشفوية على أفواه الناس، ومن بحوث تستهدف التاريخ الشفوي، ومن الكتب، ومن مشاريع تقيمها لجمع الحكايات، وتقوم حاليًّا بالبحث بالزغاريت.
وتشير إلى أنها عند اختيارها لرواية قصة ما، تعكس فيها المنظومة القيمية التي تحملها وتسردها بطريقة عصرية تشبهها وتشبه مجتمعها.
وتختم الحكواتية شلبية حديثها: "فن الحكي يعمق ويقوي جذوري في المنطقة وفي فلسطين، وصار نهج حياة بالنسبة لي، كل عام وأنتم بأحلى حكايات".
على جبهات الذاكرة
ومن فلسطين يشارك الحكواتي حمزة العقرباوي من قرية عقربا جنوب شرق مدينة نابلس، بحكايا على "ذمة الراوي" بطريقة كوميدية ساخرة، يحاول من خلالها إعادة سردية النكبة بطريقة مغايرة وأسلوب قائمة على الفكاهة والمرح.
ويبين العقرباوي لـ"فلسطين" أن فريق الحكواتيين الفلسطينيون يقدم عروضًا، ويشارك في عروض الدول المجاورة وهي حكايات جمعت من لاجئين سوريين وقدمت في كتاب "حكايتنا حكاي" بثلاثة أجزاء، وكتاب "فتتنا الحكاية" ويضم مجموعة من الحكايا الشعبية التي تنتمي لبلاد الشام مكتوبة باللهجة السورية، واللغة الفصحى، وهو مترجم باللغة الإنجليزية.
ويلفت إلى أن المهرجان فيه استعادة لمركزية القصة في الفن، والتعلم، والحياة، ويستهدف فئات متنوعة، ويقدم مجموعة من الحكايات ذات الطابع الشخصي، وفيها بعد نضالي، وأسطوري، وخرافية أيضا.
ويقول العقرباوي: "نقدم فلسطين بناسها وطبيعتها ومواسمها، ونعبر عن تراثنا وبعدنا الإنساني والنضالي"، مشددًا على أن الرواية الشفوية المتمثلة بالذاكرة هي واحدة من أدوات الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال.
ويردف: "نحمل على عاتقنا المحافظة على إرث حكايا الناس وروايته، ليبقى محفورًا في الأذهان، في حين يقوم الاحتلال بسرقة هذا الموروث ونسبه إليه".
الشمس دون قضبان
وعن عنوان المهرجان "نروي الحكايا حتى نرى الشمس دون قضبان"، يجيب: "اقتبس من كلام الأسير محمود العارضة الذي خطط لحفر النفق في سجن جلبوع حينما سأل عن سبب حفره، فأجاب: "حتى أرى الشمس دون قضبان السجن".
ويكمل: "نروي اليوم قصصنا لكي نستطيع العيش دون قضبان واحتلال، فهي جزء من الحالة النضالية الفلسطينية، فنحن اليوم رديفين للأبطال الذين يخوضون على جبهات الكفاح، ونحن نخوض على جبهات الذاكرة والهوية".
بالإضافة إلى الحكايات شهد المهرجان عقد ندوات ولقاءات وإطلاق كتب وجلسات مسائية تجمع الحكَّائين مع أهل البلد في جلسة سمر لتبادل الحكايات والقصص والتجارب.
ويذكر أن المهرجان انطلق في 29 تشرين الأول/أكتوبر وتواصلت فعالياته على مدار ثمانية أيام متتالية.