"يوم أن أعود لكم محمولاً على الأكتاف، كَفِّنوني بعلم فلسطين.." دائمًا كان الفتى محمد دعدس (16 عامًا)، من مخيم عسكر الجديد شرق نابلس في شمالي الضفة الغربية المحتلة، يردد هذه الكلمات على مسامع والدته، قبل أن يقدم جندي إسرائيلي على إعدامه بدمٍ باردٍ.
لم يكن محمد يترك فعالية في منطقته تتخللها مواجهة مع جنود الاحتلال والمستوطنين كذلك، ويتصدى خلالها الشبان الفلسطينيون للانتهاكات الإسرائيلية، إلا كان يحرص على المشاركة فيها.
الجمعة الماضية، وعلى مقربة من مكان سكنه، انطلقت فعالية دعمًا للأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، ومناوئة لمشاريع التوسع الاستيطاني هناك، وفي مثل هذه الظروف دائمًا ما يلجأ الاحتلال إلى قمع المتظاهرين السلميين بأسلحة فتاكة.
بعد انطلاق الفعالية التي شارك فيها عدد من شبان مخيم عسكر الجديد قضاء نابلس، كما يقول والده أمجد دعدس (40 عامًا) لـ "فلسطين"، التحق محمد سريعًا بها.
يضيف لـ "فلسطين: لم يكد محمد يصل إلى منطقة دير الحطب التي شهدت المواجهات، حتى أطلق أحد جنود الاحتلال ومن مسافة قصيرة جدًا رصاصة واحدة متفجرة أصابت منطقة البطن، وأردته أرضًا غير قادر على الحركة مطلقًا.
ويدرك والد الشهيد أن نجله الوحيد إضافة لشقيقتين لم يتركب خطأً في مشاركته بالفعالية السلمية، وأن جيش الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة عن استشهاده.
وفور إصابته بالرصاص وسقوطه أرضًا، نقل إلى مستشفى رفيديا في مدينة نابلس، وحين وصل كان جزء كبير من دمائه سال، وتوقف قلبه في إثر ذلك عن النبض.
وأضاف والده: عندها أعلن الأطباء استشهاده بعدما تسببت الرصاصة المتفجرة بأضرار كبيرة وفتكت بأمعائه وفتتت معظمها.
لحظتها بكى الجميع "محمد" الذي كان يتحلى بشجاعة كبيرة منذ صغره، جعلته لا يخاف جنود الاحتلال وأسلحتهم الفتاكة، وحفزته على المشاركة في الفعاليات والمظاهرات ضد انتهاكات جنود الاحتلال ومستوطنيه.
بدا والد الشهيد يتحدث فخورًا بنجله الذي قضى، قائلاً: كان خلوقًا مع أهله وأصدقائه، مستواه عالٍ في المدرسة، وشجاع لا يتأخر عن أحد، ويلبي رغبات والديه.
وبأجواء غلفها الحزن الشديد انطلق موكب تشييع الطفل من أمام مستشفى رفيديا، متوجهًا إلى منزل عائلته في مخيم عسكر لإلقاء نظرة الوداع، قبل أن ينطلق مجددًا لأداء صلاة الغائب، ومن ثم مواراة جثمانه الثرى في مقبرة المخيم.
سار موكب الشهيد بعد تكفينه بالعلم والكوفية الفلسطينيين بحزن وألم، ودموع سالت كالشلال على وجه نجلاء دعدس والدة الشهيد، وهي تنظر لنجلها الوحيد وقد أصبح محمولاً على الأكتاف بدلاً من أن يحتضنها كل يوم، صابرة محتسبة راضية بقضاء الله وقدره، كما اعتدت أمهات الشهداء الفلسطينيين.
أما والده فقد اختصر أي كلمات كان يريد قولها عن وجع فراق نجله محمد، واكتفى بعبارات الثناء عليه والرضا عنه والدعاء له.
وتخلل موكب الشهيد في بدايته مراسم عسكرية أطلق خلالها مسلحون الرصاص في الهواء غضبًا على جريمة الاحتلال باغتيال الفتى دعدس، وهو في مطلع عمره بعد.
وأكد رياض دعدس ابن عم الشهيد، أن جهات ومؤسسات حقوقية وثقت جريمة استهداف جيش الاحتلال لمحمد والمتظاهرين المشاركين في التظاهرة السلمية بالرصاص المتفجر.
وأكد رياض لـ "فلسطين"، أن العائلة لن تترك حقها في ملاحقة جنود الاحتلال وقادته على جريمتهم هذه، التي طالت طفلاً لم يرتكب ذنبا سوى أنه أراد التنديد بانتهاكات الاحتلال، ولن تتنازل عن هذا الحق تحت أي ظرف.