يُمسك رائد الوصيفي من ذوي الإعاقة السمعية، بيده اليُمنى "قلم فحم"، يخط لوحة فنية تراثية، على قطعة فخار ذات لون أبيض ناصع، رويدًا رويدًا بدأت تتضح الملامح الأولية للوحة، حينما توسطها ورقات الزيتون الأخضر التي تعبر عن عبق الحضارة الفلسطينية.
يُمعن الوصيفي وهو في العقد الرابع من عُمره، النظر أكثر في ذات القطعة الدائرية التي قسَّمها إلى أربعة أقسام، تضمن الجزء الأيمن مشهدًا لبيوت القرى الفلسطينية والتي تجسد حياة الفلسطينيين في الماضي، أما الجزء الأيسر فكانت تجلس عجوز أمام بيتها المصنوع من الطين، والقسم الأخير خطّ "غزة".
علامات السعادة تخط طريقها على وجه "الوصيفي" بعدما انتهى من لوحته الفنية، فأخذ يلوح بيديه بإشارات توحي بمدى الفرحة التي غمرته بهذا الإنجاز، لكونه لا يُجيد سوى "لغة الإشارة".
تجلس بجانبه، السيّدة نفين حسان من "ذوي الإعاقة السمعية" تُحيك لوحة فنية تراثية بطابع آخر، كانت تُمرر "إبرة" صغيرة الحجم على قطعة قماش سوداء اللون، يمينًا ويسارًا، فكانت النتيجةُ "ثوبًا مُطرزًا يرمز إلى التراث الفلسطيني".
أما الأربعيني عصام شلدان، فكان يجلس خلف آلة "النول" اليدوية، يُحيك بكل إتقان ألوان علم فلسطين، تعبيرًا عن حُبه لفلسطين وتراثها.
على الجانب الآخر، كانت تعلو أصوات أغاني التراث الفلسطيني، التي كان من بين كلماتها "فلسطين الغالية يا محلا رملها، رح نبقى هون، وما بنترك وطننا (...) يا طير الطاير".
تجسدت هذه المشاهد في المهرجان الثقافي تحت عنوان "تراثنا عنوان حضارتنا" الذي نظمه المركز المجتمعي لتعليم الكبار بجمعية أطفالنا للصم، بالتعاون مع مؤسسة التعاون الدولي التابعة للجمعية الألمانية لتعليم الكبار وجامعة دار الكلمة ضمن مشروع حكايا من فلسطين، أمس في مقر "أطفالنا للصم".
تقول مدير المركز المجتمعي لتعليم الشباب والكبار في "أطفالنا للصم" عبير السقا، إن تنظيم هذا المهرجان يأتي ضمن مشروع حكايا من فلسطين، لتأكيد الهوية والتراث الفلسطيني.
وأوضحت السقا لمراسل "فلسطين"، أن المهرجان يهدف إلى التذكير بالتراث الفلسطيني، وإبراز الهوية، وأهميتها في مختلف المجالات.
وبحسب السقا، فإن المهرجان يضم زوايا متعددة منها الدبكة الشعبية والتطريز اليدوي والرسم على الخشب والفخار والطبخ الشعبي، إضافة إلى معرض المنتوجات الحرفية.
بدوره، ذكر مدير برامج غزة في الجمعية الألمانية مرعي بشير، أن هذه الفعالية هي الأولى ضمن فعاليات مشروع "حكايا من فلسطين"، والذي يسعى لتعزيز مشاركة المجتمع الفلسطيني في الحفاظ على الهوية والموروث الثقافي.
وأوضح بشير لـ"فلسطين"، أن المشروع يهدف أيضًا إلى تمكين المراكز المجتمعية لتعليم الكبار والشباب في تفعيل وتحريك كل أشكال التعبير الثقافي الفلسطيني.
وبيَّن أن المشروع يسعى لإحياء المشهد الثقافي الفلسطيني كجزء من فكرة التعلم، لتعزيز الموروث الثقافي وكل المواهب الفنية والثقافية في فلسطين.