(إسرائيل) ابتداء هي تجسيد للمؤامرة الغربية على المنطقة العربية، فلم يكتف الغرب باستعمار بلاد العرب والقسوة الفاحشة عليهم انتقاما من الفتوحات التركية في أوروبا أو طرد الصليبيين، فانتهزوا فرصة ضعف الدولة العثمانية ونخروا في عظامها واحتلوا بلاد العرب وعز عليهم أن تطوى أشرعتهم وأن يرتدوا إلى أوطانهم وإنما أرادوا أن يطوروا استعمارهم بدلا من الجيوش فتحل (إسرائيل) محلهم بنفس المنطق الذي غزوا به المنطقة وغيرها، فزعموا أن فلسطين أرض بلا شعب أي أن الشعب الفلسطيني ليس أهلا وحريا ببلاده، وهذا في الحصيلة الصهيونية يناقض إحدى كبرى أساطيرهم وهي أن اليهود كانوا في فلسطين وأن الفلسطينيين هم من طردوهم وشتتوهم واليوم يستعيدون ملك أجدادهم بأكاذيب تاريخية وتوراتية باطلة، والغريب أن حكام العرب صدقوا هذه الأكاذيب ربما إنقاذا لعروشهم ومقايضة عليها، فكان أن صدق السادات أن سيناء هي مسرح العدوان على (إسرائيل) ولذلك قبل في صفقة السلام تحجيم الجيش في أرضه عددا وسلاحا ولذلك ليس غريبا أن تعمد (إسرائيل) إلى معاقبة الجيش على جسارته عام 1973 وكأنهم في سيناء يصفون الحساب باستنزافه.
وصدق السادات وخلفاؤه جميعا أن الصراع مع (إسرائيل) لا معنى له ما دامت لا تحتل الأراضي المصرية فانحسر نفوذ مصر حتى صارت لا تقوى على حماية أمنها القومي في أدق جوانبه وهو الأمن المائي.
والثالث أن (إسرائيل) أعادت سيناء شكلا لكنها قيدت إرادة مصر فيها كما صادرت إرادتها في المنطقة العربية لأن (إسرائيل) أدركت أن قوة مصر في تضامن العرب معها، فصدق السادات مقولة عبثية وهي أن الصراع مع (إسرائيل) عقدة نفسية، وسواء زار السادات (إسرائيل) وحيًا أم حسابات أم توجيهات فقد صُوِّر للسادات أنه اقتحم بالسلام أبوابهم وكسب الجولة وبالفعل زار القدس وعقد كامب ديفيد والسلام وهو لا يعلم بالآثار الاستراتيجية الكارثية على مصر والمنطقة العربية.
المهم أن العرب قبلوا قرار التقسيم بعد معارك وهمية بينهم وسقوط الضحايا، وهم لا يدركون أن قرار التقسيم كان طرفة، لأن المشروع الصهيوني يريد كل فلسطين ومن ورائها بلاد العرب، وحددوا موقفهم من التسوية التي يرونها الآن ويرددونها كالببغاء في النقاط الآتية:
أولًا- طمأنة (إسرائيل) بالاعتراف بها في حدود تحددها هي وتكون آمنة نفسيا بها، حتى ترضى (إسرائيل) عنهم فتوصي بفتح أبواب البيت الأبيض لمن صلح منهم.
ثانيًا- إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية في حدود الرابع من يونيو 1967 وهو وضع تحصل فيه (إسرائيل) على 22% خارج قرار التقسيم أي أنها تحوز 80% من أراضي فلسطين. ويترك الباقي للالتهام فيما بعد.
ثالثًا- القبول باختراق (إسرائيل) للعرب وهرولة بعضهم إلى (إسرائيل) بلا مبرر حقيقي سوى رضا واشنطن وتمثل ذلك في موجة الاعتراف من أربع دول عربية بـ(إسرائيل) هي المغرب والسودان والبحرين والإمارات وبالطبع مباركة مصر والأردن السباقين إلى هذا الفضل وما دامت واشنطن تبني هذه الأسطورة المعروفة بالاتفاقات الإبراهيمية وإبراهيم منها براء.
رابعًا- القبول بعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين وعدم إغاثتهم والموافقة على إدماجهم في بلاد العرب حتى يتبخر حق العودة خدمة لـ(إسرائيل) وواشنطن.
خامسًا- اعتبار المقاومة لـ(إسرائيل) إرهابا ومساندتها إرهابًا أيضا، فصارت إيران هي الإرهاب اشتقاقا وصارت هي عدو العرب لمجرد أنها تدعم المقاومة العربية في إطار تحديها للمشروع الصهيوني وتكالبهما معا على جثة العرب.
فوصم المقاومة بالإرهاب يوصم إيران بذلك والحق أن الموقف العربي من المقاومة لصالح (إسرائيل) هو بسبب الرصيد الأمريكي عند الحكام.
سادسًا- نشاط الإعلام العربي في تصوير قوة (إسرائيل) الخارقة والتسليم بابتلاع فلسطين وشيطنة الفلسطينيين والمقاومة، ولذلك حلت إيران في الصراع محل (إسرائيل) التي صارت حليفا للعرب ويوم تتفق إيران مع واشنطن تتغير المعادلة.
أما خطتي المقترحة للحكام العرب فهي تتكون من العناصر الآتية:
أولًا- تغيير موازين القوة في المنطقة العربية بدءا بدعم مصر حتى تعود حاضنة للعرب وقضاياهم.
ثانيًا- التسليم بأن أي تسوية في فلسطين هو تنازل لغير صاحب الحق وهم اليهود، ولا حرج في استخدام المصطلح ما دام قرار التقسيم قد قضى بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود وما دامت (إسرائيل) لا تعترف بالمواطنة لغير اليهود، وهي نفسها يرجى أن تكون الكمنولث اليهودي لكل يهود العالم.
وما دام الفلسطيني يقتسم أرضه مع الضيف المتآمر اللاجئ فلا بد من تأكيد أحقية الفلسطيني بأرضه وبأن ما يحصل عليه اليهودي ليس حقا له وإنما منحة إنسانية ومن أجل أن نشجع اليهود على العيش بسلام في وطن يتقاسمونه مع أصحابه.
ثالثًا- أن (إسرائيل) فاقدة لأي شرعية وأنها تعتمد على الغصب والقوة ولذلك تقدم أساسين للشرعية الجديدة لـ(إسرائيل): الأول هو رضا الشعب الفلسطيني بالتسوية وتشجيعه على التعايش مع اليهود وبعد تطويع اليهود للعيش المتحضر في وطن ممنوح وليس مغتصبًا.
رابعًا- إعادة التسوية عن طريق قرار التقسيم ولتحصل (إسرائيل) على 50% من الأراضي ويحصل الفلسطينيون على نصف أرضهم من أجل السلام الحقيقي.
خامسًا- تأكيد حق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم وبيوتهم.
سادسًا- الاتفاق العربي مع (إسرائيل) على توضيح موقفها النهائي غير الصهيوني.
سابعا: التأكيد أن الصهيونية حركة عنصرية وجريمة ضد الإنسانية والبدء في مطاردة الصهيونية في بلاد العرب عن طريق التشريعات والندوات والمؤتمرات.
ثامنًا- استعداد الدول العربية لإعادة اليهود العرب إلى بلادهم العربية وإنشاء صندوق عربي لتعويضهم عما فقدوه من ممتلكات وعدم الربط بين تعويضهم وتعويض الفلسطينيين، وهم ليسوا مسؤولين عما حل باليهود.
تاسعًا- دعم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين فالعرب أولى من غيرهم بأن تحل مشكلتهم السياسية.
عاشرًا- المطالبة بدولة فلسطينية على نصف فلسطين تكون مستقلة ذات سيادة وهي حرة في الدخول في علاقات مع (إسرائيل) ولكن تبرم بينهما معاهدة عدم اعتداء ويدعم العرب والعالم هذه التسوية وضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وبيوتهم وتعويض من تضرر منهم من صندوق التعويضات الذي ينشأ تحت رعاية الأمم المتحدة وتدفع (إسرائيل) تعويضات عما ألحقته بالعرب من أضرار.
فإذا قبلت (إسرائيل) واحترمت هذه الخطة لن نكون بحاجة إلى مقاومة أو دعم إيران وسيعاد رسم خريطة المنطقة على أساس السلام والعدل بعد أن تتفق الأطراف على معنى إيجابي للسلام.