مساء الخميس الماضي (28 تشرين الأول)، قال رجل الأعمال اليهودي (سوليفان آدامز) لقناة إسرائيلية: إن "FIFA"، يدرس بجدية استضافة (إسرائيل) والإمارات والسعودية إلى جانب مصر لنسخة كأس العالم لعام 2030.
وقال الرجل المقرب من رئيس "FIFA": إن "الرياضة يمكن أن تكون جسرًا نحو بناء العلاقات والصداقات مع جيراننا، ويمكنها تغيير النموذج بأكمله في المنطقة وحول العالم".
وأضاف أن هذا الملف تم طرحه خلال زيارة رئيس "FIFA"؛ جياني إنفانتينو إلى (إسرائيل)، ومشاركته في مراسيم افتتاح "مركز فريدمان للسلام" في مدينة القدس.
لم يكن هذا التصريح الذي يمثّل حلما بطبيعة الحال؛ سوى فصل من فصول الأحلام الصهيونية المتسارعة بشأن عمليات التطبيع بين "الكيان" وبين عدد من الدول العربية ذات الوزن والأهمية، إذ سبقته أخبار ووقائع حقيقية كثيرة يصعب تتبعها كاملة هنا؛ وصل بعضها حد الابتذال، مثل مشاركة الإمارات في مناورات عسكرية مع (إسرائيل)، ومشاركتها والمغرب في مسابقة لملكات الجمال، أو تسارع عمليات التطبيع الاقتصادي، والحديث عن مشاريع ذات أبعاد استراتيجية، بجانب زيارة رئيس وزراء الاحتلال إلى القاهرة، وسوى ذلك من مظاهر التطبيع المتسارع، إن كان مع الدول الجديدة في هذا المضمار (لبعضها تراث قديم أيضا)، أم مع الدول ذات المعاهدات، مثل الأردن ومصر.
هذا هو الوجه الأول الذي يكشف حقيقة مشروع التصفية الجديد للقضية الفلسطينية، أعني عمليات التطبيع المتسارعة، وصولا إلى التبشير بانضمام دول أخرى، وهو ما كان يسمّى في زمن سابق بـ"الحل الإقليمي"، أي فتح العلاقة مع الدول العربية من دون المرور بحل القضية، في الوقت الذي يتم فيه تحسين وضع السلطة الفلسطينية، ومن ثمّ تحويل المؤقت إلى دائم.
هذا الحل سمّاه نتنياهو "السلام الاقتصادي"، ويبدو أن الاسم يناسب "بينيت"، بينما سمّاه "بيريز" قديما "الدولة المؤقتة"، فيما كان شارون قد سمّاه "الحل الانتقالي بعيد المدى".
وفيما كان الأمر يستحق بعض التحليل في الماضي لكشف حقيقة المشروع، لأن الطرف الصهيوني لم يكن يقول الحقيقة فيما يتعلق بالمستقبل، وكان يريدها عملية استدراج للعرب والفلسطينيين، عبر الحديث عن تأجيل ما يعرف بـ"قضايا الحل النهائي"؛ فإنه اليوم واضح كل الوضوح، إذ يجاهر برفض الدولة الفلسطينية، وتبعا لذلك التنازل عن الأرض بالمعنى الحقيقي، ويرفض تقسيم القدس وعودة اللاجئين، فيما يتحدث فقط عن تحسين وضع السلطة (عيش الفلسطينيين بتعبير أدق)، وفي ذات المناطق التي يتواجدون فيها (نحو ثلث الضفة الغربية)، مع إمكانية السماح بقدر محدود من التوسع في أجزاء من مناطق (ب)، و(ج)، بحسب تصنيفات "أوسلو".
هذا هو الوجه الثاني لمشروع التصفية. إنه وضوح الهدف النهائي، وبتصريحات رسمية واضحة.
الدور الرسمي العربي واضح هنا، ولا سيما المحاور الرئيسة والكبرى، فالمطلوب هو توسيع عمليات التطبيع، مقابل تحسين وضع السلطة، وتسكين وضع قطاع غزة، وصولا إلى جعل (إسرائيل) كيانا طبيعيا في المنطقة، يمكن فتح شراكات واسعة معه؛ وعلى كل صعيد.
من الضروري الإشارة هنا إلى أن مشروع التصفية الأهم بعد "أوسلو"، والذي كان بذات الروحية التي تحدثنا عنها، قد تم التصدي له بلقاء مصري سعودي سوري (قمة الإسكندرية) منتصف التسعينيات، وبالطبع بعدما أدرك الجميع أن المطلوب هو اختراق (إسرائيل) وهيمنتها على المنطقة.
هنا تحديدا تكمن المصيبة راهنا، فلا مصر بعافيتها القديمة التي تمنحها القدرة على قيادة التصدي لعمليات الهرولة الجديدة، وتبعا لها مشروع التصفية الجديد، ولا السعودية الغارقة في مشاكل اليمن، والباحثة عن مسار مختلف، يمكنها فعل شيء؛ هي التي باركت "اتفاقات أبراهام"، ولا سوريا التي تعيش ما تعيش، ويحكمها بوتين (صديق الكيان)، يمكنها ذلك، لا سيما أن المال العربي الذي يعمل مقاولا للتطبيع، قد دخل على خط إعادة تأهيلها عربيا ودوليا.
نأتي هنا إلى الجانب الآخر المهم في المشروع، أعني الوضع الفلسطيني.
من المؤكد أن الجانب الأهم في إفشال مشروع التصفية المشار إليه آنفا بعد "أوسلو" و"وادي عربة"، لم يكن الموقف الرسمي العربي المشار إليه، رغم أهميته، بل كان الموقف الفلسطيني، وتحديدا عبر "انتفاضة الأقصى" التي أهالت التراب على مسار التطبيع، وشطبت المشروع برمته.
حدث ذلك عندما انحاز عرفات، رحمه الله لـ"انتفاضة الأقصى" التي وحّدت الشعب وأرهقت الغزاة. صحيح أن الانتفاضة قد انتهت باجتياح الضفة الغربية، وحصار عرفات واغتياله، وبوضع عربي يذهب إلى "مبادرة بيروت" إثر عملية ابتزاز واضحة بعد هجمات سبتمبر 2001، إلا أن ذلك لا ينفي تبعاتها بانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، بجانب إنهاء مشروع التصفية في تلك الطبعة، وليبدأ التعويل لاحقا على مشروع احتلال العراق، وإعادة تشكيل المنطقة، والذي فشل أيضا.
هنا تكمن المصيبة الكبرى، فمقابل عرفات وقدرته على المغامرة، يوجد ها هنا عباس الذي وقف ضد إجماع الشعب الفلسطيني في "انتفاضة الأقصى"، وتآمر على عرفات، ومقابل "فتح" التي لم تكن قد تطبّعت تماما على مسار الانبطاح، وأجهزة أمنية تتشكل من عناصر لهم توجهات وطنية؛ توجد هنا "فتح" جديدة بطبعة "عباسية"، وأجهزة أمنية عنوانها "الفلسطيني الجديد"؛ بتعبير مؤسسها الجنرال "دايتون"، بجانب "تقديس" التنسيق الأمني؛ بتعبير عباس نفسه.
يبقى الجانب المشرق هو ذلك المتعلق بتحرّر قطاع غزة ووجود قاعدة مقاومة فيه، لكن غياب أفق لانضمام الضفة إلى "انتفاضة" جديدة، بوجود عباس (خليفة سيكون من ذات القماشة كما يبدو)؛ سيجعل حركة القطاع صعبة، وقبلها خضوع المقاومة لحاجات سكانه.
أما الحل الوحيد المتاح لإفشال مشروع التصفية، فهو توافق قوى المقاومة (بقيادة "حماس") على مسار جديد يهمّش عباس، وإعادة النظر في آلية عملها في الضفة، بإبعاد الفاشلين المجرَّبين، وصولا إلى تثويرها استنادا إلى ما جرى سابقا (انتفاضة القدس)، واستثمارا لما يحدث حاليا من عمليات تهويد، كنقطة تثوير محورية، وعندها سيُهال التراب على المشروع إياه، مع فرصة سانحة وكبيرة لأن يكون ذلك محطة باتجاه انتفاضة أوسع تفرض دحر الاحتلال عن أراضي 67، كمحطة باتجاه تفكيك المشروع الصهيوني برمته.