لم يتفاجأ المشتغلون بالشأن الإسرائيلي من توجيه المزيد من الضربات العدوانية ضد سوريا، رغم تغير الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب منذ عدة أشهر، وانقضاء عهد نتنياهو وحلول فترة بينيت، لأنه كان من الواضح أن مواصلة هذا العدوان للأجواء والأراضي السورية هو قرار يوجد عليه إجماع إسرائيلي: حكومي وعسكري وأمني، ولا يتعلق ببقاء حكومة أو رحيل سواها، ولا يرتبط بحسابات حزبية بين هذا المعسكر أو ذاك.
إن شروع الاحتلال في توجيه الضربات والهجمات ضد سوريا منذ 2013، واشتدادها في السنوات الأخيرة، بزعم ملاحقة شحنات الأسلحة الواصلة من إيران إلى لبنان مرورًا بسوريا، يعني أن هناك توجهًا عامًّا إسرائيليًّا، مسنودًا بضوء أخضر أمريكي، وأصفر روسي، وعجز سوري محلي عن الرد على هذا العدوان، رغم حيازة الجيش السوري لمنظومات دفاعية، لكنه القرار السياسي الذي لديه الكثير من الحسابات المتعلقة بالحسابات السورية الداخلية أكثر من الرد على عدوان الاحتلال السافر، وانتهاك سيادة هذا البلد.
الجديد في العدوان الإسرائيلي على سوريا ما شهدته الساعات الأخيرة من استهداف جديد لما قال الاحتلال إنها شحنة أسلحة قادمة من إيران في طريقها إلى لبنان مرورًا بسوريا، إذ حمل هذا العدوان جديدين اثنين: أولهما أنه وقع في وضح النهار، ما يعني أن الاحتلال لم ينتظر حلول ساعات المساء والليل، كما جرت العادة، وثانيهما أنه لم يستخدم القصف الجوي، بل اكتفى بالضربات الأرضية، رغم امتلاكه طيرانًا قويًّا ودقيقًا.
الحقيقة أن هذين المستجدين يحملان دلالات مهمة، لعل أهمها أنه يتزامن مع مرور أيام قليلة فقط على قمة سوتشي التي جمعت بينيت مع بوتين، ما يعني أنها تضمنت استمرارًا لغض الطرف الروسي عن استمرار الضربات العدوانية ضد سوريا، في ظل اتفاقهما، كما يبدو، على منع أي تمركز عسكري إيراني فيها، ومع ذلك، فربما خرجت القمة بطلب روسي وجد قبولًا في (إسرائيل) مفاده تجنب استخدام الطيران قدر الإمكان، بغرض تجنب إحراج الجيش الروسي الذي يزود قوات النظام السوري بمعدات قتالية لمواجهة الطيران الإسرائيلي، خاصة المضادات الجوية.
في الوقت ذاته، يتزامن استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية ضد التواجد العسكري الإيراني في سوريا مع استمرار المفاوضات الدولية مع طهران حول برنامجها النووي، ورغبة الاحتلال بممارسة مزيد من الضغوط عليها، لانتزاع مزيد من الأوراق السياسية والعسكرية، في الوقت الذي ترغب فيه طهران بالضغط أكثر على الاحتلال لتشكيل المزيد من الجبهات المحيطة به، وتهديده بصورة أكثر، وبينما تشكل سوريا، أرضًا وأجواء، مسرحًا ميدانيًّا لتبادل هذه الرسائل الملغومة بين إيران و(إسرائيل)، فإنها ستبقى في عين عاصفة الاحتلال حتى إشعار آخر!