كنت أنوي أن يكون عنوان المقال "من أحق بفلسطين: اليهود اللاجئون أم أصحاب الدار من الفلسطينيين؟"
ثم وجدت أن هذا العنوان عام، وربما الأكثر فائدة فى مجال كشف الحقائق وتقريبها إلى الأذهان العربية هو معالجة موضوعات صغيرة بالوضوح الكافى حتى يخسأ الذي فى قلبه مرض وقد بدأت بأيهم أحق بالعودة إلى فلسطين هل هم الفلسطينيون الذين يجب أن يعودوا إلى وطنهم وبيوتهم أم اليهود الوافدون تحت ذرائع مختلفة ثم تحولت إلى دعاوى وأساطير؟ وهناك دلالات سياسية لا تقبل التشويش وهي أنه كلما أنكرت (إسرائيل) حق العودة للفلسطينيين كان ذلك أكبر دليل على أنهم يخططون للاستيلاء على كل فلسطين، فلا يطيقون الحديث عن عودة من أخرجوهم إلى التيه والضياع. وكانت الحجة الأقرب إلى الواقع هي إطلاق أساطير استعمارية لا تصمد أمام النظر العقلي الصارم.
كذلك روجت (إسرائيل) لأن اليهود لهم الحق فى الأرض تاريخيا ولا بد من طرد كل الفلسطينيين حتى يتمكنوا من ابتلاع فلسطين، وأنا بصراحة أعتبر أن هذه المقولات لا تستقيم مع دعاوى اليهود لاقتسام فلسطين والسلام والتعايش مع أهلها. ولكني أعجب أن الحكومات العربية لم تدرك مغزى قرار التقسيم عند اليهود كما فسره أبا إيبان مندوب الوكالة اليهودية فى الأمم المتحدة عند صدور القرار في 29/11/1947 وكان واضحا أن قرار التقسيم الذي شنت (إسرائيل) على العرب حملة لكي يقبلوه كان أسطورة، كما لم تدرك أن (إسرائيل) فرضت أمرا واقعا أسرع من قرار التقسيم، ولم تدرك أن قرار التقسيم كان أسطورة لإلهاء العرب وتقسيمهم بين رافض ومؤيد، وكان أول محطة عملية لتجسيد الحلم الصهيوني على الأرض.
حتى كان عام 1950 عندما أصدر الكنسيت الإسرائيلى قانونا عجيبا للجنسية سماه قانون حق العودة على افتراض أن اليهود كانوا فى فلسطين وطردوا منها، وهذا القانون يعطي الحق لأي يهودي في العالم في جنسية (إسرائيل) التي ترخص له بالعودة إلى "وطنه السليب" بعد "تحرره". وهذه من الأساطير الكبرى التي قامت عليها (إسرائيل).
فى هذه المقالة نناقش حق العودة لليهود أم للفلسطينيين؟ المؤكد أن اليهود غزاة زرعوا فى فلسطين في إطار مؤامرة دولية وإقليمية لاغتصاب فلسطين عبر مجموعة من الأساطير والخرافات والأكاذيب. وأسطورة حق العودة لم يتضمنها قرار التقسيم إذا ملأ اليهود المساحة المخصصة لهم فى القرار وهي أقل من نصف فلسطين مخصوما منها القدس. في حين حق العودة للفلسطينيين تقرر فى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لأنهم طردوا أو فروا أمام الإرهاب من العصابات الصهيونية خاصة الهاجاناة والإرجون التي رأس قادتها الحكومة الإسرائيلية بعد قيام إسرائيل، وكان حق العودة يعني العودة إلى الوطن والبيوت التي هودها اليهود واستولوا عليها بذرائع متعددة وطردوا سكانها منها بمساعدة الشرطة حديثا، وروعوا أهلها فى زمن العصابات قبل إنشاء (إسرائيل). فالثابت دوليا وقانونيا أن أهل فلسطين فروا من بيوتهم وأصبحوا لاجئين في وطنهم وفي بلاد مجاورة، وأَنشأت الأمم المتحدة وكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم في الشرق الأوسط، ما يعني أن الوكالة تغيث الملهوف مؤقتا لحين حل القضية الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى وطنهم وبيوتهم. فإذا كان قرار التقسيم وقرار حق العودة وقرار إنشاء الوكالة أدلة على أن فلسطين كانت للفلسطينيين وانقض عليها اليهود بالمؤامرة، فأين الدليل فى الأمم المتحدة على أن اليهود كانوا فى فلسطين وكانت لهم وحدهم سوى الأساطير التوراتية المكذوبة والتاريخية الكاذبة والروايات المنسوبة زورا إلى التوراة، حيث أخبرنا القرآن الكريم أن كبار رجال الدين اليهود قد كتبوا ولعبوا في نصوص التوراة لقوله تعالى: ويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون".
فالتاريخ والتوراة أبرياء من كذب اليهود، ولذلك حصن اليهود أكاذيبهم بجريمة إرهابية هي تهمة معاداة السامية، وهي تطلق على كل ناقد لسياسة (إسرائيل) أو أكاذيب اليهود التي فند أهمها الفليسوف الفرنسي اليهودي الذي أسلم فى كتابه الأساطير المؤسسة للسياسات الإسرائيلية ولـ(إسرائيل).
ونخلص من ذلك إلى أن الأمم المتحدة تم توظيفها من جانب القوتين العظميين بعد الحرب العالمية الثانية حتى تخرج إسرائيل بقرار الجمعية العامة الذي ينتهك أحكام الميثاق ثم تقبل إسرائيل عضوا فى الأمم المتحدة بشروط أولها تنفيذ قرار التقسيم وذلك بعد خمسة أشهر من تأكيد الجمعية العامة على حقوق الإنسان فى الإعلان العالمى، وبعد تأكيدها حق العودة للشعب الفلسطينى أو التعويض لمن لا يريد العودة إلى بيته ووطنه.
ولكن اليهود العرب كانوا مواطنين فى دولهم وانضموا أو طردوا إلى إسرائيل ومن حقهم أن يعودوا من إسرائيل إلى أوطانهم العربية أو يتم تعويضهم عن ممتلكاتهم بشرط أن يتم التعويض من الأموال الشخصية للحاكم الذي اتخذ قرار طردهم والمساهمة بذلك فى قيام إسرائيل بل ومحاكمته على هذه الجريمة حتى لو لم يكن مدركا لأبعادها لأن أضرار قراره عظيمة.
يترتب على ما تقدم بمناقشة موضوعية أن حق العودة مؤكد للفلسطيني، وهو حق شخصي لا يملك أحد النيابة عنه لإسقاطه، وظل حتى الآن شعارا، ولكن هذا الشعار قد تحققه أجيال أخرى، لكن المشكلة أنه لم توضع آليات للاقتراب منه.