يتدفق آلاف العمال الفلسطينيين من قطاع غزة للعمل في المصانع والورش الإسرائيلية، وحجة دخول هؤلاء أنهم تجار، مع أن المخابرات الإسرائيلية تعرف أنهم عمال، ويعرف ذلك المجتمع الإسرائيلي، ويعرف هذه الحقيقة المجتمع الفلسطيني، والقيادة في غزة تعرف هذه الحقيقة، ويعرف ذلك الوسطاء المصريون والقطريون، وكل من دخل على ملعب استمرار التهدئة.
لإسرائيل مصلحة في دخول آلاف العمال الذين سيوفرون لأهل غزة 80 مليون شيكل شهريًّا، كما تقول الإحصائيات، فالعامل سيحصل على 500 شيكل يوميًّا، وهذا المبلغ سينعش سكان قطاع غزة، ويحقق الهدوء الذي تسعى إليه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فانشغال الناس بالعمل والرزق قد يبعدهم عن المقاومة، وهذه خطة قديمة لجأ إليها أرئيل شارون لوأد الأعمال الفدائية قبل أكثر من خمسة وأربعين عامًا، حين فتح الحدود مع غزة والضفة الغربية على مصراعيها، وترك العمال الفلسطينيين يتدفقون للعمل في المزارع والمصانع والورش الإسرائيلية، حتى بلغ عدد عمال غزة قبل انتفاضة الحجارة ما يقارب 120 ألف عامل، يبيتون داخل المدن الإسرائيلية، ويعملون في مصانعها ومزارعها، بل صار مفتاح المدن الإسرائيلية في تلك الفترة في يد عمال غزة، هم من يفتحون المصنع الإسرائيلي، وهم من يغلقونه.
إنها السياسة التي تحتكم للمصلحة، وقد تكون للمخابرات الإسرائيلية مصلحة في إدخال عشرة آلاف عامل من غزة، كمرحلة أولى، على أمل أن تصطاد منهم عشرة عملاء فقط، فإسرائيل بحاجة إلى أصغر معلومة أمنية عن قطاع غزة، وقد تتغطى هذه المصلحة الأمنية بالبعد الإنساني، وهنا تقع مسؤولية التحذير من المخطط الإسرائيلي على عاتق المثقفين والوجهاء والمخاتير والشخصيات الوطنية، وعلى عاتق الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، والتي يتوجب أن تشرح للذاهبين إلى معبر بيت حانون مخاطر أي تعاون أمني صغير، قد يجرفهم إلى مستنقع الخيانة، وعلى عمال غزة المتوجهين للعمل داخل المصانع الإسرائيلية بفرح وحبور أن يدركوا أن أرزاقهم ليست معلقة بالمخابرات الإسرائيلية، والمصانع والورش الإسرائيلية، وأن هذا العمل حق تم انتزاعه بفضل صمود أهل غزة، وأن صاحب الفضل الحقيقي في توفير فرصة العمل هذه، هو سلاح المقاومة، ورجال المقاومة الذين ألزموا إسرائيل بإدخال آلاف العمال.
على الجهات الأمنية في قطاع غزة أن تضع خطة لإرشاد العمال، وتوجيههم، وتفنيد خطط العدو في كيفية استغلالهم، والإيقاع بهم، فرغم وعي العمال، وصدق انتمائهم للوطن، إلا أن للعدو حيله، لذلك أنصح بتوديع العمال على حاجز بيت حانون عبر مرشدين، يذكرونهم بزوجاتهم وأولادهم، وأنهم ينتظرون عودتهم أنقياء من التلوث، ليرفعوا بهم رؤوسهم.
على قيادة غزة أن توضح لهؤلاء العمال حقيقة أنهم ذاهبون للعمل وسط الأعداء، وأن لأعدائهم ألف حيلة وحيلة للتظاهر أمامهم بالصداقة، أعداؤكم قد يحدثونهم عن السلام، وعن حرصهم على التعايش، وسيقدمون لكم الهدايا في الأعياد، والكلام المعسول، وقد يغررون بكم، وقد يغروكم، وقد يستدرجونكم إلى مستنقع العمالة في غفلة، فاحذروا أيها العمال، وتأكدوا أن باب الأجهزة الأمنية مفتوح لمعالجة أي منزلق، وكل اشتباه.
على قيادة غزة أن تقدم الدروس والمحاضرات، وأن تنظم اللقاءات، وأن تستمع إلى التوصيات، مع توزيع المنشورات، التي ستشكل سياجًا أمنيًّا يحول دون السقوط، فالشعب الفلسطيني يواجه أخطر أنواع الأعداء، ويواجه أعتى أجهزة المخابرات العالمية، واستهداف الإنسان الفلسطيني لا يقل أهمية عند أعدائه من استهداف أرضه، والحذر واجب.