في خطوة مفاجئة، وعلى صعيد إعادة تموضع الاحتلال في علاقته مع الفلسطينيين، وبالتزامن مع بعضهما، أعلنت الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة ما وصفتها "إجراءات تسهيلية" للفلسطينيين.
أولى هذه الخطوات زيادة حصة تجار غزة الذين يمرون عبر معبر بيت حانون شمال القطاع بمقدار 3000 تاجر، ليصبح العدد الإجمالي 10 آلاف تاجر، بموجب قرار سياسي إسرائيلي بعد تقييم أمني بشأن الموضوع، ويشمل اشتراط هذه التسهيلات باستمرار الهدوء الأمني، وثانيها الموافقة للمرة الأولى منذ عقد على تسوية الوضع القانوني لـ 4000 فلسطيني لتعزيز الإجراءات المدنية والاقتصادية في الضفة الغربية، 1200 منهم سيحصلون على بطاقة هوية فلسطينية، ويسمح لهم بالعمل في إسرائيل، وتغيير عنوان 2800 فلسطيني من سكان غزة، وغادروها قبل انسحاب 2005.
يصعب قراءة هذا التزامن في إصدار هذه القرارات الإسرائيلية بصورة عفوية، بل إنها تأتي في سياق تهدئة الجبهة الجنوبية مع غزة، والحيلولة دون اندلاع مواجهة عسكرية مع حماس هناك، ومحاولة امتصاص غضب الفلسطينيين الذين يعانون ظروفا معيشية قاهرة، وكل ذلك بغرض تسكين هذه الجبهة تفرغا لجبهات أكثر اشتعالا، لا سيما مع إيران ولبنان وسوريا.
ربما يسهم القرار الخاص بغزة في زيادة حركة العمالة الفلسطينية من خلال التجار، ورفع معدلات التصدير والاستيراد بين القطاع والاحتلال، لاسيما في ضوء تكدس البضائع في الأشهر الأخيرة دون تصدير بصورة متعمدة من الاحتلال للضغط على المقاومة، وما نتج عن ذلك من خسائر فلسطينية باهظة، فضلا عن إقامة شبكة علاقات بين تجار غزة والضفة الغربية لرفع مستويات التنسيق الاقتصادي والتجاري بين الجانبين، على اعتبار أن غزة تعد سوقا استهلاكية للبضائع الواردة من الضفة والاحتلال.
أما قرار الضفة، فقد بقي مجمدا في أدراج وزارة الحرب الإسرائيلية طيلة عقد كامل، إلى أن تغيرت الحكومة، وبدأت الضغوط الأمريكية تؤتي أكلها بالشروع في تحسين الواقع الإنساني في الضفة، باعتبارها بادرة حسن نية تجاه السلطة الفلسطينية، مقدمة للدخول في حوار سياسي معها، متى ما أمكن ذلك، حتى لو تأخر بعض الوقت، لكن مثل هذه القرارات تلقى ردود فعل إيجابية في أوساطها، وفق الرؤية الأمريكية، وكفيلة بإذابة جبل الجليد الناشئ بينهما منذ 2014.
ليس من المتوقع أن تواصل سلطات الاحتلال إصدار مثل هذه القرارات، لأنها قد تسهم في تغيير الميزان الديموغرافي لصالح الفلسطينيين، وهو ما تراه خطرا عليها على المدى البعيد، لكن رؤية واشنطن ترافقت مع توجه وزير الحرب بيني غانتس الذي يسعى لمد جسور التواصل مع السلطة الفلسطينية، سواء لإيمانه بإنشاء عملية سياسية معها، أو تمهيدا لتمييز نفسه عن رئيسه نفتالي بينيت الرافض لأي حوار معها.