لم يكن مفاجئًا أن يقدم الاحتلال الإسرائيلي على تصنيف ستة من المؤسسات الحقوقية الإنسانية الفلسطينية بأنها "إرهابية"، بزعم ارتباطها بمنظمات فلسطينية مسلحة، مع العلم أن هذا الاحتلال الإرهابي تُصنَّف ممارساته لدى العديد من مواثيق الدول والمنظمات الدولية بأنها أحد أشكال الإرهاب، بل إرهاب الدولة، لأنها تهدف إلى اقتلاع شعب من أرضه، وإحلال آخرين محله في وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع.
إن هذا التصنيف الإسرائيلي لهذه المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، فضلًا عن كونه مجافيًا للحقائق، ومنافيًا للواقع على الأرض، لكنه يهدف بالأساس لكتم كل صوت يسعى لفضح جرائم الاحتلال، ونشرها حول العالم، وكشفه على حقيقته، لا سيما أن هذه المؤسسات تنشط بالأساس في رصد انتهاكاته، وإصدار تقارير موثقة بذلك، وتوزيعها على المنظمات الدولية والسفارات الأجنبية، وهو ما يسهم بصورة كبيرة في نشر المظلومية الفلسطينية حول العالم، بعكس ما يريده الاحتلال.
هذه واحدة، أما الثانية فهي محاولة إسرائيلية لا تخطئها العين لحرمان الفلسطينيين من أي تواصل مع العالم الخارجي، سواء عبر الاتصال السياسي والإعلامي والحقوقي، أو الحصول على الدعم والتمويل اللازم لعمل هذه المؤسسات الحقوقية، وحصر هذه الاتصالات في الاحتلال وحده، من أجل تعميم روايته الزائفة، وإسماع العالم صوته الحصري فقط، والتعتيم على ما يعيشه الفلسطينيون ويعانونه.
من المتوقع أن يواصل الاحتلال سياسته القمعية بحق كل صوت يعارضه، ويندد به، ويسعى لرفع الغطاء الدولي عنه، رغم ما تسبب به القرار من أزمة بين تل أبيب وواشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي، التي لم ترَ وجاهة للقرار، لأنها تعلم علم اليقين أن المؤسسات الفلسطينية من الإجراء التعسفي الإسرائيلي ناشطة بالأساس في المجال الحقوقي القانوني، وليس لها أنشطة سياسية البتة.
في الوقت ذاته، فإن المواقف الصادرة عن المجتمع الدولي ضد هذا القرار الإسرائيلي تعبِّر عن ضجر عالمي من هذا الاحتلال "الإرهابي" الذي يلاحق المؤسسات الحقوقية التي تمارس عملها في وضح النهار، وتحت إشراف ورعاية ومراقبة الدول المانحة.
إن اتخاذ مزيد من المواقف والفعاليات المناهضة لقرار الاحتلال ضد المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، كفيلة بردع هذا الاحتلال عن المضي قدمًا بمزيد من الإجراءات القمعية، وإن كان الأمر بحاجة إلى عمل دؤوب، وأكثر تنظيمًا، كي يؤتي أكله، صحيح أن الاحتلال سيسعى لتشغيل آلته الدعائية لاتهام هذه المؤسسات بمزيد من الأكاذيب والتهم الباطلة، لكن الأكيد أن صوته لم يعد الوحيد الذي يُسمع في المحافل الدولية، ما يوفر للفلسطينيين فرصة مناسبة لإسماع صوتهم، ونقل مظلوميتهم، ورد الاعتبار لهذه المؤسسات التي تحوز تاريخًا طويلًا من العمل الحقوقي والإنساني.