يواصل قطعان المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة فسادهم وإفسادهم ضد أصحاب الأرض الأصليين الفلسطينيين العرب الأقحاح، من حيث ملاحقتهم، وإحراق حقولهم، وإتلاف مزارعهم، وسرقة أشجارهم، وسط حماية ورعاية علنية من قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية، ودون أن يرف لحكومة الاحتلال جفن، بل إنها تواصل غض طرفها عن هذه الجرائم، وتوفر الدعم السياسي لهم، رغم ما يصدر من تصريحات، للاستهلاك الإعلامي ليس أكثر!
لا يتسع المجال لاستعراض هذه الجرائم التي لم تعد تخفى على أحد، بل إن إعادة سردها بات مملًا، لكون من يستمع إليها قد يصاب بالبلادة من كثرة تكرارها، وهو ما حصل فعلا، للأسف الشديد، حتى من قبل من يعنيهم الأمر، ولذلك يصبح الحديث عن اجتراح سياسات جديدة لمواجهتها هو الأهم والأوجب.
إن استمرار هذه الجرائم، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، فضلًا عن الدول العربية، وقبلهم وبعدهم الفلسطينيون، المعنيون أساسا بوقف هذه الانتهاكات يتطلب سياسات مختلفة عن سابقاتها، لأنها أصبحت مكرورة ومستهلكة، والمستوطنون باتوا يستمرئون هذه الجرائم، ويشعرون أنهم طليقوا الأيدي في مواصلتها، دون رادع من أحد.
صحيح أن الاحتلال يمنح قطعان مستوطنيه تصريحا غير مكتوب لاستمرار عربدتهم ضد الفلسطينيين لاعتبارات تتعلق بعدم زيادة هجوم معسكر اليمين على الحكومة القائمة، لكن الفلسطينيين ليسوا مجبرين لأن يكونوا "كيس ملاكمة" بين المعسكرات الإسرائيلية المتناحرة فيما بينها، أو على الأقل يجب أن يكون هذا السلوك قد انقضى أوانه منذ زمن بعيد.
الفلسطينيون، وأقصد المستوى الرسمي، مدعوون للبحث في سياسات تسعى لتأمين المزارعين في حقولهم، وقاطفي الزيتون تحت ظل أشجارهم، دون أن يفسد عليهم موسمهم مستوطن قادم من أقاصي الدنيا، ويتبنى مرويات زائفة حول حق مزعوم في الضفة الغربية، ومع مرور الوقت تصبح هذه الروايات حقا مكتسبا.
لعل المستوى السياسي الفلسطيني مطالب بأداء أكثر جهدا لكشف الجرائم التي يرتكبها هؤلاء المستوطنين، وإذا كان الاحتلال قد أقام معرضا يجمع فيها بقايا القذائف الصاروخية التي تنطلق من غزة، ويجبر الدبلوماسيين الأجانب على زيارته، وكذلك الأنفاق الحدودية، في محاولة منه للحصول على شرعية دولية لتنفيذ أي عدوان ضد القطاع، فإن جرائم المستوطنين، وللأسف الشديد، تحصل ليل نهار، وعلى مدار الساعة، وبإمكان أي دبلوماسي غربي يزور الضفة أن يقوم بجولة ميدانية لمعاينتها، ونقلها إلى دولته.
أما على صعيد المقاومة الفلسطينية، فلعل ما يكشف عنه الاحتلال بين حين وآخر من معلومات حول بناء خلايا مسلحة في الضفة الغربية، تعطي مؤشرات لا تخطئها العين عن انشغال المقاومة بكيفية كبح جماح هؤلاء المستوطنين، بطرق لا تتسع هذه السطور لسردها!