الوفاء شيمة الأحرار، والأحرار أشد وفاء إذا ما عشقوا، وأحرارنا عشقوا الأرض وعشقوا الحرية، فتجلت صفقة وفاء الأحرار بكل هذه المعاني، وكانت لوحة مميزة وبارزة في تاريخ الشعب الفلسطيني، رسم معالمها ثوارنا بخطوط من الدماء والعرق والدموع، فأنتجت حرية وكرامة وعزًّا وشموخًا، لم تكن وفاء الأحرار مجرد صفقة تبادل، ولكنها كانت صراع إرادات وصراع أدمغة، كانت معركة تدور على مدى خمس سنوات انتهت بنصر حاسم للمقاومة التي هزمت العدو في صراع الإرادة، وكذلك في صراع الأدمغة، لقد كان يعلم العدو يقينًا أن وفاء الأحرار لها ما بعدها، وقد كان. فعهد الثوار ماضٍ حتى النهاية، ولن يبقى جندي صهيوني آمن ما دام يوجد ثائر واحد خلف القضبان، وما زالت كلمات الشيخ المؤسس رغم غياب الجسد يتردد صداها في عالم الأحياء: "بدنا أولادنا يروحوا غصبن عنهم"، لقد وفّى الأحرار في المرة الأولى، وسيوفون في المرة الثانية والثالثة والرابعة، وستكسر نظرية الأمن الصهيوني في كل مرة بإرادة الثوار الأحرار، فهذا عهدهم وهذا وفاؤهم، ومن أحق من الثوار عهدًا ووفاء.
ما أجمل أن يكون في سدة القيادة اليوم من كان في السجن البارحة، وما أجمل أن يفرض سجين الأمس شروط اليوم، وما تعزها من أيام حينما يرضخ سجان اليوم لسجين الأمس، ولذلك لم تكن وفاء الأحرار مجرد صفقة تبادل عابرة، ولكنها كانت هزيمة ما زالت تظهر تجلياتها في كل موقف يقفه قائد المقاومة لينال من صلف العدو وغطرسته بعد أن ظنوا حينا من الزمن أنهم قهروا إرادته وغيبوا روحه خلف الجدران، لكن حرية الروح وعشق الأرض الممزوجين بعزم الثوار بددت الوهم وحطمت الجدران وكسرت الأقفال وكتبت ملحمة خالدة في سفر الزمن؛ أن صلف الطغيان يتهاوى أمام إرادة الروح.
بعد عشر سنوات مضت سيجثو العدو مرة أخرى ليقبل صاغرا ما تمنّع عنه حينا من الدهر ظانًّا أن الزمن سيوهن عزائمنا أو ربما ينسينا بعضنا القابع خلف جدرانه الزائلة، ولكن بعد ست سنوات من حرب العصف المأكول وبضع شهور من سيف القدس، تبخرت تماما وساوس الشيطان من رأس العدو في تحرير أسراه دون الخضوع لشروط المقاومة، وها هو الزمن يعيد نفسه مرة أخرى.