تحتفي الأمة العربية والإسلامية بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد اعتادت حكومات الدول أن تجعل يوم الذكرى إجازة للعاملين وللمؤسسات. ولا أعتقد أن الإجازة من العمل هي الطريق الأنسب للاحتفاء بالذكرى، ولم يُؤثر عن الصحابة والتابعين أنهم جعلوه يوم إجازة وجلوس في البيت بلا عمل. لذا يمكننا القول إن الإجازة من العمل هي نظام محدث للاحتفاء بيوم الذكرى.
الإجازة باتت أمرا واقعا لا سبيل لإلغائه، ولكن يمكن توظيفه بما يناسب فكرة الاحتفاء بمولد سيد البشر، وذلك بأن يجمع أرباب الأسر أبناءهم ويعرضوا سيرة صاحب الذكرى عليهم، ويطالبونهم بالتمسك بسننه وأخلاقه. ويمكن لكل أسرة أن تؤدي هذا الواجب تجديدا لأخلاق النبوة في أبنائها، فمن ترسّم سنن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أهم المحتفين بذكرى مولده، ومن خالف سننه، وتنكر لسلوكه كان بعيدا من المولد، حتى ولو وزع الحلوى على أبنائه وأقاربه.
الاحتفاء الحق بصاحب الذكرى ليس في الحلوى، ولا بالطعام والشراب، ولكن باتباع منهجه، والقيام بسننه، والتخلق بأخلاقه، والتأسي بعبادته.
المجتمع العالمي، والمجتمع الإسلامي، يكابد مشكلات لا حصر لها، وبعضها يوشك أن يستعصي على الحلّ، وربما يرجع ذلك لبعد المجتمعات عن منهج النبوة، لذا نقول: نحن -أو قل العالم- في حاجة ماسة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، يحل به مشكلاته، ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وخاتمهم، وقد لحق بالرفيق الأعلى، ولن يعود بأمنية فلان أو علان، إلا أن منهج محمد ثابت باقٍ، لم يمُت بموت محمد صلى الله عليه وسلم، وعمل محمد وخلقه وسننه باقية لا تبلى، ولو بحث الباحثون عن حل مشكلات مجتمعاتهم منفردة أو مجتمعة، لوجدوا الدواء والشفاء في منهج صاحب الذكرى العطرة، وفي سننه وسلوكه، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وذكر الله كثيرا}. وعلى علماء المسلمين واجب بيان ذلك للعامة والخاصة.