فلسطين أون لاين

المحرر مسلماني والساعات الأخيرة في "جلبوع" قبل تحرره في "وفاء الأحرار"

...
المحرر مسلماني
غزة/ جمال غيث:

لم ينسَ مصطفى مسلماني، المحرر في صفقة "وفاء الأحرار"، ولو لحظةً واحدة، مشاهد الفرح التي ارتسمت على محيا الأسرى في أثناء مغادرتهم "مقابر الأحياء" وتمكنهم من قهر السجان وظلمات السجن والعودة لخنادق الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي الظالم المغتصب للأرض.

ويعد يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، محفورًا في ذاكرة مسلماني (55 عامًا) والشعب الفلسطيني حينما رضخت (إسرائيل) لمطالب المقاومة وأفرجت عن 1027 أسيرًا فلسطينيًّا مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أُسر خمس سنوات لدى كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.

20 عامًا أمضاها مسلماني من مدينة طوباس، والمبعد إلى قطاع غزة، متنقلًا بين سجون الاحتلال ورفاقه الأسرى يوم تحررهم من غياهب السجون الظالم أهلها، إلى أن حققت القسام وعدها وأفرجت عن الأسرى، ولا تزال تعمل حتى تحرير جميع المعتقلين.

ساعات ثقيلة

لا تزال ملامح الفرح ترتسم على وجه مسلماني، كلما تذكر إعلان المقاومة عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، في عملية "الوهم المتبدد" في 25 حزيران/ يونيو 2006، ليقول وقتها: "علت الفرحة والتكبيرات في سجون الاحتلال، حينها أيقن الأسرى أنهم على موعد مع الحرية والخروج من مقابر الأحياء".

ويقول قبل عشرة أعوام، وعند ساعات الفجر بدت إدارة سجن "جلبوع" متخبطة وبدأت في الصراخ على الأسرى الذين ضمتهم الصفقة لتجهيز أنفسهم وجمع أغراضهم من السجن لتحريرهم، لكن دموع الحزن خيمت عليه لتركه زملاءه من خلفه الأسر.

لكن، والقول لمسلماني، لم تعلم إدارة السجن أن جميع الأسرى لم يناموا تلك الليلة وهم بانتظار تحررهم ومواساة زملائهم الذين لم تشملهم الصفقة، واصفًا تلك الليلة بالثقيلة جدًّا، فكل ساعةٍ منها مرت عليه كدهر، حتى تنهد تنهيدة طويلة وكأن حملاً كبيرًا أُزيح عن كاهله فور سماع اسمه من قبل السجان للخروج من الغرفة.

ما إن خرج مسلماني، ورفيقة جهاد غبن، من غرفة الأسر حتى ألقى التحية على زملائهم ليخبره أحدهم أن ضباط السجن تهجموا على الأسير المقدسي محمود عطون، المحكوم بالسجن المؤبد و40 عامًا، لتظهر علامات الغضب على الرفيقين، ويرفضا مغادرة السجن قبل الالتقاء بالضابط وتوبيخه.

ويكمل: "بعد أن أبلغ الجنود الضابط برفض الأسيرين الخروج من السجون خشي الأخير أن يكون السبب في تعطيل الصفقة التي طال انتظارها، فحضر مسرعًا إلينا فكنا نتحدث معه بقوة وبغضب وأخبرناه أن يده ستقطع وأن عقابه سيصل إليه، ليصعدا بعدها إلى الحافلة ويغادرا بوابات السجن ويتنسما عبير الحرية الذي طال انتظاره".

تحدي السجان

وما إن وصلت الحافلة إلى سجن "النقب" -والقول لمسلماني- حتى صعد عدد من الأسرى إليها وبدأ أحد جنود الاحتلال يتحدث معه والغضب يرتسم على وجهه، وقال له: (إلى أين تذهب؟! وماذا ستعمل؟!)، ليرد مسلماني بفخر: (سأذهب إلى غزة، وأعمل مع المقاومة) ليهرب الضابط من أمامهم بعد أن شاط به الغضب.

وأكد أن الأسرى كانوا يتحدثون بثقة عالية ويتحدون الاحتلال والسجانين، وكانوا يرفضون الانصياع لإملاءاته بعد أن كسرت المقاومة وكتائب القسام أنفه في صفقة التبادل.

ويكمل: "ما إن وصلنا إلى معبر رفح ومن ثم إلى القطاع، حتى دعونا الله عز وجل أن يفرج كرب أسرانا، وتتمكن المقاومة من خطف جنود آخرين، فخطف الجنود هو سبيل الأسرى للخلاص من السجن".

ما إن وصل الأسرى بحافلاتهم إلى القطاع المحاصر، حتى فوجئوا بخروج أهالي القطاع، من ساعات الصباح الباكر للشوارع والمفترقات في انتظار الأسرى وتهنئتهم بالتحرير.

ويؤكد مسلماني وهو عضو لجنة الأسرى بالقوى الوطنية والإسلامية، أن وفاء الأحرار أعادت الأمل والبسمة والفرحة إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني وأحرار وشرفاء العالم.

ويقول المسلماني: "إن صفقة تبادل الأسرى القادمة ستكون أقوى وأشمل وأعظم من صفقة شاليط، وسيتم إنهاء معاناة قدامى الأسرى والمرضى والأطفال"، مشيرًا إلى أن خوض حماس مفاوضات طوال الأعوام السبعة الماضية، يدلل على صلابتها وإصرارها على تحرير الأسرى.

وأكد أن المقاومة لم تنسَ ولن تتخلى عن الأسرى، مدللًا على ذلك بتصريحات ووصايا قائد أركان المقاومة الشهيد أحمد الجعبري الذي قال: "شلت أيماننا إن نسينا ذرة تراب من فلسطين وإن نسينا أسرانا"، وحرص المقاومة الجاد لتحريرهم.

وتمت صفقة "وفاء الأحرار" في 18 أكتوبر/ تشرين الثاني 2011، وأفرجت (إسرائيل) بموجبها عن 1027 أسيرًا فلسطينيًّا، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، الذي كان محتجزًا لدى حماس، منذ صيف 2006.