الاتحاد الأوروبي ليس مؤسسة خيرية، ولا يوزع المساعدات لـ"سواد عيون" الرؤساء والنشطاء. الاتحاد الأوروبي مؤسسة سياسية لها مصالحها، ويجيء اهتمامها بالقضية الفلسطينية بهدف تحقيق الهدوء، ومن هذا المنطلق فإن جل المساعدات الإنسانية التي تقدم إلى الشعب الفلسطيني لا تهدف إلى تطوير اقتصاد مستقل، ولا تهدف إلى تأسيس منشآت اقتصادية إستراتيجية، بل على العكس، كل المساعدات التي قدمت للشعب الفلسطيني كانت مساعدات استهلاكية، هدفها إنعاش حياة السكان مؤقتاً، والحيلولة بينهم وبين الانفجار والثورة.
العدو الإسرائيلي هو صاحب هذه المعادلة، وهو الذي يحض الاتحاد الأوروبي على تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية، فهذه المساعدات التي ترفع عن كاهل المحتل المسؤولية، تخدم مخططاته في الحفاظ على حالة الهدوء، لذلك تلتقي مصالح الاتحاد الأوروبي مع المصالح الإسرائيلية، في مواصلة تقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، الذي أُقرَّ بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، وهذا يؤكد أن المساعدات كانت وما زالت قرينة التنازلات، وإذا كان هدف المساعدات في مرحلة سابقة وقف الانتفاضة، وتفكيك البنية العسكرية للتنظيمات الفلسطينية، فإن هدف المساعدات في هذه المرحلة اختراق وعي الفلسطينيين، وتجريدهم من انتمائهم لوطنهم وتاريخهم، وقد بدأت (إسرائيل) المعركة قبل سنوات، حين اقتطعت قيمة رواتب الشهداء والأسرى من أموال المقاصة، لتنتقل بعد ذلك إلى الاتحاد الأوروبي والأونروا، في محاولة ضاغطة على السلطة الفلسطينية، للالتزام ببند وقف التحريض، كما ورد في اتفاقية أوسلو.
فإذا كانت كل كلمة فلسطينية لا توائم الاحتلال هي تحريض وخرق لاتفاقيات أوسلو، فلماذا لا يسأل برلمان الاتحاد الأوروبي عن بقية بنود اتفاقية أوسلو، التي انتهت مع انتهاء المرحلة الانتقالية 1999، وانتهت مع احتلال الضفة الغربية سنة 2002؟ فعن أي تحريض يتحدثون والاحتلال ما زال جاثماً على صدر الفلسطينيين، وتضج مناهج التعليم الإسرائيلي بكل أشكال الإرهاب عن العربي القذر، وعن العربي الجبان، وعن ضرورة قتل النساء الفلسطينيات، لأنهن سيلدن مقاتلين، وعن أرض (إسرائيل) الكاملة وفق الكتب التوراتية، وعن جبل الهيكل الذي سيقام على أنقاض المسجد الأقصى؟!
حين يتجرأ البرلمان الأوربي على مطالبة الفلسطينيين بتعديل مناهجهم التعليمية، فذلك لا يعني انحيازه للرواية الإسرائيلية، هذا يدلل على استخفافهم بالسلطة الفلسطينية، وللأسباب الآتية:
1ـ استمرار حالة الهدوء في الضفة الغربية، التي يحققها تواصل التنسيق والتعاون الأمني.
2ـ حالة الضعف التي ضربت القيادة الفلسطينية، وعدم رغبتها في مواجهة الأطماع الإسرائيلية، وعدم قدرتها على مواجهة اتفاقية الإطار بين الأونروا وأمريكا، وقرارات البرلمان الأوروبي.
3ـ التزام السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات الموقعة رغم تنصل الاحتلال منها.
4ـ جاء اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة (إسرائيل) دون أن يكون لها حدود، فمن اعترف بدولة (إسرائيل) لا يحق له الحديث عن يافا وحيفا وعكا وصفد.
إن المدقق بالفقرات والعبارات والجمل والكلمات التي يطالب البرلمان الأوروبي بشطبها من منهاج التعليم الفلسطيني، يكتشف أن ما يطالب به البرلمان الأوروبي هو شطب للحق الفلسطيني، وتصفية للقضية، فحين تطالب أوروبا بإزالة صورة لجدار الفصل العنصري، فذلك لا يعني أنه قد أزيل عن أرض الواقع، وحين يطالب بشطب كلمة أسير من منهاج التعليم، فذلك لا يعني إغلاق السجون، وتحرير جميع الأسرى.
هناك حقائق عنيدة على أرض الواقع، لا يمكن تجاهلها، وهي جزء من المعاناة الفلسطينية، وهذا الذي يؤكد أن بيانات الشجب والاستنكار والإدانة لن تقدم ولن تؤخر، وإنما المطلوب هو:
أولاً: وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل) فوراً، بما في ذلك التنسيق والتعاون الأمني.
ثانياً: سحب الاعتراف بدولة (إسرائيل) فوراً، والرجوع بالقضية الفلسطينية إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ثالثاً: تحطيم حالة الهدوء الأمني التي يتمتع بها الاحتلال دون أن يدفع الثمن.
رابعاً: لإنجاح ما سبق، يجب تشكيل قيادة ميدانية فلسطينية، تنتقل بالحالة الفلسطينية من الهدوء إلى التمرد، على أن تكون هذه القيادة بعيداً عن الاحتلال، فوق أرض قطاع غزة.
خامساً: التوافق على تشكيل قيادة مؤقتة لمنظمة التحرير، قيادة قتال وفداء وعطاء، لا قيادة بطاقات VIP، المطلوب قيادة يكون رأسها مطلوباً للاحتلال، وتفتش عن مكان وجودها الطائرات المسيرة، قيادة تعرف أن بيوتهم ستقصف في كل حين، وأن أولادهم يضعون الأحزمة الناسفة على خاصراتهم، وجاهزون للتضحية متى طلب الوطن منهم ذلك.
وقتئذٍ يصير الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، وكل قادة (إسرائيل) يلهثون طلباً لهدنة، هدنة ليوم أو يومين، مقابل تقديم كل ما تأمر به القيادة الفلسطينية الجديدة القوية العنيدة.