على مدى سنوات كان يتم التحذير من سيناريو التقاسم الزمني في المسجد الأقصى، توطئة للتقاسم المكاني، وذهبت هذه التحذيرات أدراج الرياح، فلا أحد يهتم، وكأننا أمام أثر حجري.
لقد تم التحذير مؤخرا، من سياسات إسرائيلية مستجدة، مختلفة، وأكثر عدائية، بدأت تحديدا بعد أحداث رمضان الأخيرة، التي وقف فيها المقدسيون والمصلون ضد (إسرائيل)، وأدت إلى ما أدت إليه، والواضح هنا أن العقل الإسرائيلي قرر أن يرفع حدة المواجهة داخل الحرم القدسي، بعد أن اكتشف أنه أمام كتلة مقدسية، منوعة في مشاربها، تقف ضده، وقادرة على التنظيم، وتسبب الإرباك للوجود الإسرائيلي في مدينة القدس.
الأسبوع الماضي، مثلا تم اختطاف الأقصى، بين المحاكم الإسرائيلية، بين من يمنع الشرطة من أي محاولة للتحكم في دخول المستوطنين إلى الحرم القدسي، وبين محكمة أعلى تمنح الشرطة هذا الحق، وبينهما أحكام إسرائيلية قديمة صادرة عام 1978، تسمح بدخول الإسرائيليين إلى المسجد الأقصى، من أجل أداء الصلاة الصامتة، وهذا التجاذب القضائي، غير مفصول عن القرار السياسي، فالكل يعرف أن المؤسسات الإسرائيلية تعمل معا.
موجات الاقتحام شبه اليومية، التي نراها الآن، وعلى فترتين كل يوم، صباحية، وبعد الظهر، تعد نوعا من أنواع التقاسم الزمني، وهو سيناريو مؤهل للتطور بشكل خطير خلال الفترة المقبلة، سواء كانت الصلاة صامتة، أم علنية، لأن حجم التغطية السياسية الإسرائيلية لما يفعله الإسرائيليون داخل الأقصى يبدو كبيرا، ولا يتراجع لا تحوطا من رد الفعل الفلسطيني، ظنا منه أن تجمعات رمضان والجمعة، هي الخطر عليه فقط، لا غيرها، ولا يأبه أيضا بتهديدات سلطة رام الله، باللجوء إلى المؤسسات الدولية، التي يعرف الكل أن (إسرائيل) أيضا لديها وسائلها وأدواتها من أجل إحباط أي تحرك فيه، وهي أيضا لا تقف عند الاعتراضات الأردنية، برغم كل بيانات التنديد والشجب، وتسليم مذكرات الاحتجاج، واستدعاء السفير.
في هذه الحالة لا بد من تدخل من نوع جديد، على أساس ثلاثة محاور، الأول إعادة تنظيم البيت المقدسي والفلسطيني الداخلي بشكل مختلف على المستوى السياسي، أمام العراقيل الإسرائيلية، من أجل مواجهة أي تطورات داخل الأقصى، خلال الفترة المقبلة، وهذا التنظيم بمعناه السياسي والشعبي يمتد إلى كل فلسطين المحتلة منذ عام 1948.
الثاني بحث الأردن لكونه المسؤول عن الرعاية عن مساندة عربية ودولية بطريقة مختلفة، أمام مخاطر حدوث سيناريوهات سيئة، سيتم تحميل الأردن مسؤوليتها منفردا، لكونه الوصي، وهذا ليس من مصلحة الأردن، أن يصبح الطرف الملام وحيدا، لأن الواضح هنا أن عدة أطراف عربية وإسلامية استراحت من ملف الأقصى، وتريد تحميل الأردن مسؤوليته منفردا، من أجل اتهامه لاحقا، أنه رفض شراكة أحد، وعليه من ثم أن يتحمل المسؤولية.
الأردن هنا برغم علاقته مع الأمريكيين، وكل التصعيد السياسي والاقتصادي مع (إسرائيل)، يُعرّض إلى أزمات كبرى في ملف الأقصى، يمتد تأثيرها شرقا وغربا، وهذا أمر مثير حقا.
الثالث إعادة الاعتبار لرد الفعل المقاوم ضد (إسرائيل)، إذ من دونه تستفرد (إسرائيل) بكل شيء في فلسطين، التي أساس محنتها الاحتلال، وليس أي شيء آخر، حتى لا نستغرق فقط بالكلام عن المساحات التي أفرزت لنا فقط، بعد اتفاقية أوسلو، باعتبارها المساحات الوطنية الفلسطينية الفاعلة، والمتاح فيها العمل والتحرك، والتعبير عن رد الفعل، وكأننا قبلنا فقط بأن تكون مساحتنا المعترف بها الضفة الغربية وغزة، وأسلمنا بقية فلسطين لكل الاحتلال.
الذي يجري في القدس، خطِر جدًّا، ويقودنا تدريجيًّا إلى تقاسم زمني أكبر، وإلى سيناريو التقاسم المكاني، بعد أن ثبت أن أحداث رمضان، دفعت القرار الإسرائيلي، نحو تصورات جديدة بدأت تطبيقها منذ أسابيع، وهذه التصورات تقول إن ما تبقى من العام الجاري، والعام المقبل، هما الأخطر على الأقصى، وأن ردود الفعل، يجب أن تراعي وتتفهم ما وراء الصورة، وتستعد للسيناريو الأسوأ، الذي سيؤدي إلى تفجير الغضب الشعبي في كل فلسطين، وصولا إلى سقوف ثانية، يتهاون البعض بشأنها لكنها مكلفة جدا، على كل المستويات.
المسجد الأقصى، وكل القدس وفلسطين، تحت الاحتلال، والتعامل مع الأقصى باعتباره مجرد أثر حجري إسلامي، سيؤدي إلى نتائج وخيمة، لن ينفع معها التباكي لاحقا.